السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا بك فى منتديات عباد الرحمن بأخلاق القرآن
يرجى تسجيل الدخول:

اسم الدخول:

كلمة السر:

ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى

التسجيل! | نسيت كلمةالسر?الدخول عبر حسابك في موقع Facebook
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا بك فى منتديات عباد الرحمن بأخلاق القرآن
يرجى تسجيل الدخول:

اسم الدخول:

كلمة السر:

ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى

التسجيل! | نسيت كلمةالسر?الدخول عبر حسابك في موقع Facebook
 الصفحة الرئيسيةلوحة التحكمتسجيل عضوية


الدخول عبر حسابك في موقع Facebook


الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
!~ آخـر 10 مواضيع ~!
شارك اصدقائك شارك اصدقائك ماتيسر من سورة الحج بصوت القارئ الماليزي سابينة مامات
شارك اصدقائك شارك اصدقائك سهام الليل لا تخطئ *للشيخ محمد حسان *
شارك اصدقائك شارك اصدقائك أسماء الله الحسنى ( محمد راتب النابلسي)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك سبل الوصول وعلامات القبول ( محمد راتب النابلسي)
شارك اصدقائك شارك اصدقائك قِــراءة راائعة من سورة عـــبس لصاحب الصوت الأسطوري الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
شارك اصدقائك شارك اصدقائك مجاناً تعلم اللغة الانجليزية مع البرنامج المميز الرائع
شارك اصدقائك شارك اصدقائك " ليس الغريب " أداء مبكـِـــي جدااا للشيخ محمود المصري -اسمعها بقلبِكـ-
شارك اصدقائك شارك اصدقائك ما هو الإسم الأعظم لله عزو جل؟!
شارك اصدقائك شارك اصدقائك أجود أنواع الفحم للبيع بدون دخان وبدون رائحة
شارك اصدقائك شارك اصدقائك فرصه لمن يريد العمل من المنزل والربح وزيادة الدخل لجميع المحافظات
الجمعة 24 أبريل 2015, 11:44 pm
السبت 15 نوفمبر 2014, 10:33 pm
الأحد 19 أكتوبر 2014, 11:56 pm
الأحد 19 أكتوبر 2014, 11:45 pm
الجمعة 17 أكتوبر 2014, 12:10 am
الخميس 16 أكتوبر 2014, 11:34 pm
الخميس 16 أكتوبر 2014, 11:21 pm
الخميس 16 أكتوبر 2014, 10:54 pm
الخميس 16 أكتوبر 2014, 10:51 pm
الخميس 16 أكتوبر 2014, 10:44 pm
إضغط علي شارك اصدقائك اوشارك اصدقائك لمشاركة اصدقائك!


عباد الرحمن بأخلآق القرآن :: المنتديات العامه :: المنتدي العام

شاطر
سلسلة اخلاق المسلم I_icon_minitimeالجمعة 06 يناير 2012, 11:39 pm
المشاركة رقم:
المعلومات

هدي السلف
الكاتب:
اللقب:
عضو ذهبى
الرتبه:
عضو ذهبى

البيانات
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 05/10/2011
عدد المساهمات : 913
عدد النقاط : 3961
تقيم الاعضاء : 41

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: سلسلة اخلاق المسلم



سلسلة اخلاق المسلم


الأخلاق الإسلامية


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين .


أما بعد : فإن موضوع هذه الكلمة هو بيان الأخلاق الإسلامية التي ينبغي لكل مؤمن ولكل مؤمنة التخلق بها والاستقامة عليها حتى الموت ، وما ذاك إلا لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته ووعدهم عليها أحسن الجزاء إذا استقاموا عليها ، وأعد لأوليائه المستقيمين على الأخلاق التي أمر بها ودعا إليها الجنة والكرامة مع التوفيق في الدنيا والإعانة على الخير ، وأعد لمن حاد عنها واستكبر عنها دار الهوان وهي النار وبئس المصير نسأل الله العافية .


والأخلاق الإسلامية هي التي أمر الله بها في كتابه العظيم ، أو أمر بها رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام ، أو مدح أهلها وأثنى عليهم ووعدهم عليها الأجر العظيم والفوز الكبير ، ومنها الأخلاق التي وعد الرب عز وجل أو الرسول صلى الله عليه وسلم من تركها وهجرها الجزاء الحسن ، فإن ترك المذموم من الخلق الممدوح ، ففعل المأمورات وترك المحظورات هو جماع الأخلاق التي أمر الله بها ودعا إليها أو أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا إليها أو مدح أهلها ،


وهذه هي العبادة التي خلق لها الثقلان في قوله سبحانه وتعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1] والمعنى يعبدونه سبحانه وتعالى بفعل المأمور من صلاة وصوم وأعظم ذلك توحيده والإخلاص له ، وترك المحظور الذي نهى عنه وأعظم ذلك الشرك بالله ودعوة غيره معه وسائر أنواع الكفر والضلال ، وهذه الأخلاق التي هي فعل المأمور وترك المحظور هي التي بعث الله بها الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام من عهد آدم أول رسول أرسل إلى أهل الأرض ، وعهد نوح الذي هو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بعد أن وقع فيهم الشرك إلى آخرهم إلى خاتمهم وأفضلهم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، فأبونا آدم عليه الصلاة والسلام رسول أرسل لأهل الأرض ونبي كريم شرع الله له التوحيد ، وشرع له شرائع وسار عليها هو وذريته حتى وقع الشرك في قوم نوح ، فأرسل الله نوحا إلى أهل الأرض وهو أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بعدما وقع الشرك فيهم ، فدعا إلى توحيد الله وأنكر الشرك بالله ، وأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته وترك الإشراك به ومعصيته ، ثم بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بعد ذلك كلهم يدعون إلى توحيد الله وطاعته وترك ما نهى عنه سبحانه وتعالى
كما قال عز وجل : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[2] وقال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[3] ثم ختمهم جميعا بأفضلهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فهو خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين ليس بعده نبي ولا رسول كما قال الله عز وجل : مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[4] وخاتم النبيين هو خاتم المرسلين لأن كل رسول نبي ولا ينعكس ، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول ، وخاتم النبيين هو خاتم المرسلين عليهم الصلاة والسلام ، والدعوة التي دعا إليها هي الدعوة التي دعا إليها إخوانه المرسلون وهي توحيد الله عز جل والإخلاص له وفعل ما أمر به سبحانه من الطاعات وترك ما نهى عنه من المعاصي .


وهذه الأخلاق بينها الله في كتابه العظم وبينها الرسول عليه الصلاة والسلام ، بينها في القرآن الكريم في غالب سور القرآن بينها آمرا بها وداعيا إليها ومثنيا على أهلها ومحذرا من أضرارها من الإشراك بالله وسائر المعاصي .


والله سبحانه بعث رسوله عليه الصلاة والسلام يدعو إلى ذلك كما في الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) وفي اللفظ الآخر ((لأتمم مكارم الأخلاق)) فبعثه الله ليدعو الناس لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، وأساسها توحيد الله والإخلاص له هذا هو أصل الأخلاق الكريمة وأساسها وأعظمها وأوجبها وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به ، ثم يلي ذلك الصلوات الخمس فهي أعظم الأخلاق وأهمها بعد التوحيد وترك الإشراك بالله سبحانه وتعالى ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم فقال جل وعلا : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[5] وخلفه صلى الله عليه وسلم هو اتباع القرآن والسير على منهج القرآن فعلا للأوامر وتركا للنواهي ، هذا هو خلقه عليه الصلاة والسلام؟

كما قالت أم المؤمنين رضي الله عنها عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان خلقه القرآن والمعنى أنه كان صلى الله عليه وسلم يعمل بأوامر القرآن وينتهي عن نواهي القرآن ويسير على المنهج الذي رحمه القرآن- عليه الصلاة والسلام- فهذا هو الخلق العظيم الذي أعطاه الله نبيه وهو الامتثال لأوامر الله وترك نواهيه والاستقامة على الأخلاق والأعمال التي يحبها ويرضاها سبحانه وتعالى ، ومن تدبر القرآن الكريم واعتنى به وكثر من تلاوته يريد فهم هذه الأخلاق ويريد العلم بها وجد ذلك .

يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[6] ويقول سبحانه : [color=green]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا[7] =brown]]ويقول سبحانه : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[8] ويقول عز وجل : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[9] ويقول سبحانه : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[10]

فهذا الكتاب العظيم فيه بيان الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ، وبيان الأخلاق الذميمة والأعمال السيئة ليحذرها المؤمن ويحذرها إخوانه المسلمين ، وليحذر أعمال الكافرين والمنافقين والفجار والمجرمين ، لأن الله سبحانه بينها ليحذرها عباده المؤمنون ، كما بين الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ليأخذ بها المؤمنون وليستقيموا عليها ، فعلينا جميعا رجالا ونساء أن نتدبر كتاب الله وأن نتعقل كتاب الله في جميع الأوقات ليلا ونهارا حتى نعرف هذه الصفات وهذه الأخلاق التي يحبها سبحانه ويرضاها ، وحتى نعرف الصفات والأخلاق التي يذمها ويعيبها وينهى عنها ، والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله مبينا في أعماله وأقواله وسيرته الحميدة كل ما يحبه الله ويرضاه ، وناهيا عن كل ما يبغضه ويباعد عن رحمته كما قال تعالى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[11] وقال سبحانه : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[12]

فهو عليه الصلاة والسلام يبين لنا الأخلاق والصفات التي يرضاها ربنا والتي أمرنا بها سبحانه وتعالى ، ويبين لنا أيضا بتفسيره وسنته ما قد يخفى علينا من الأخلاق والأعمال التي ذمها وعابها سبحانه وتعالى ، ومن ذلك ما بينه سبحانه في سورة الفاتحة فإنه أنزلها ليستقيم عليها المؤمنون ويعملوا بمقتضاها وهي أم القرآن علمهم كيف يحمدونه ويثنون عليه ويطلبون منه الهداية سبحانه وتعالى ، وهذه من الأخلاق العظيمة أن تكثر الثناء على ربك وتحمده ، وأن تعترف بأنك عبده وأنه معبودك الحق وأنه المستعان هذا من الأخلاق العظيمة .


وأن تطلب منه الهداية والتوفيق قال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[13] تعليما لعباده سبحانه أن يثنوا عليه بهذه الأسماء العظيمة ويقول بعد هذا : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[14] وقال جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) يعني الفاتحة سماها صلاة لأنها ركن الصلاة ((فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي..

وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي)) لأن التمجيد كثرة الثناء ..

((وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال الله سبحانه هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)) فإياك نعبد حق الله ، وإياك نستعين حاجة العبد ومطلوبه أن يستعين بربه لأنه المستعان سبحانه وتعالى المالك لكل شيء جل وعلا القادر على كل شيء يستعين به العبد في عبادته وطاعته وترك معصيته ، ويستعين به أيضا في أموره الخاصة من أمور الدنيا

كما في حديث ابن عباس : ((فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)) فربك هو المستعان وهو المعبود بالحق ، فيعلمك سبحانه أن تقول : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذا بينك وبين ربك ، إياك نعبد حقه عليك ، وإياك نستعين حاجتك إليه تستعين بربك على أمر دينك ودنياك . فعبادته وحده هي أعظم الأخلاق أن تعبده وحده وتخصه بالعبادة ، لا تعبد معه ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا صنما ولا شجرا ولا كوكبا ولا غير ذلك ، تعبده وحده سبحانه وتعالى
كما قال عز وجل : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[15] وقال سبحانه : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[16] وقال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[17] وهو المعبود بالحق جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[18]


وهذه العبادة هي أعظم الواجبات وأعظم الحقوق وأعظم الأخلاق أن تعبده وحده أينما كنت في الشدة والرخاء في الصحة والمرض في السفر والإقامة حتى تلقى ربك لا تصل إلا له ولا تدع إلا إياه ، ولا تستغيث إلا به ولا تذبح إلا له ، ولا تنذر إلا له ، ولا تتصدق إلا له ، تقصد بأعمالك كلها وجهه سبحانه وتعالى دون كل من سواه ، لأن العبادات كلها يجب أن تكون لله وحده كما قال تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[19] وقال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[20]
وكل العبادات التي أمر الله بها وشرعها لنا يجب أن تكون لله وحده ، فلا يستغاث بالأموات ولا ينذر لهم ولا يطلب منهم النصر على الأعداء ولا شفاء المرضى ، ولا يطلب من الأنبياء ولا من الكواكب ولا من الملائكة ولا من الجن ولا من غير ذلك ، كل هذا يختص بالله وحده فهو الذي يدعى ويرجى ويسأل سبحانه وتعالى ، أما المخلوق الحي فلا بأس أن يسأل فيما يقدر عليه فيما يجيزه شرع الله المطهر بينك وبينه ..

كما قال الله في قصة موسى : فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ[21] وقال تعالى : فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ[22] فلا بأس في الأشياء الحسية الدنيوية أن تخشى اللص والسراق فتغلق بابك أو تجعل عليه حراسة خوفا من شرهم
كما قال تعالى عن موسى عليه السلام : فخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ[23]خرج من مصر خائفا يترقب من شر الفراعنة وهذا من الأسباب الحسية التي شرعها الله لعباده .
وهكذا قول الله سبحانه وتعالى : فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ[24]
والمعنى أنه استغاثه الإسرائيلي على القبطي فأغاثه موسى لأنه حي موجود قادر على المطلوب ، فإذا قلت لصاحبك :
[color=blue]يا فلان أعني على إصلاح سيارتي ، وهو حاضر يسمعك فلا بأس بذلك فليس هذا من العبادة ، وهكذا لو قلت يا أخي أقرضني كذا وكذا من المال ، ساعدني على بناء هذا البيت وهو من خواص إخوانك القادرين تطلب منه المساعدة في شيء يقدر ، عليه فهذا ليس من العبادة أيضا ولا بأس به في الحدود الشرعية ، أما . أن تأتي لميت فتقول : يا فلان أو يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي أو نحو ذلك فهذا شرك أكبر ، أو تطلب من الجن أن يغيثوك ويمنعوك من عدوك ، أو تطلب من الملائكة أو من الأنبياء الذين قد ماتوا فهذا من الشرك الأكبر ، أو تدعو الشمس أو القمر أو النجوم وتسألها النصر أو الغوث على الأعداء وما أشبه ذلك or=red]]فكل هذا من الشرك الأكبر المخالف لما بينه الله في قوله سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[25]


وهذا هو توحيد الله وهذا هو الخلق العظيم خلق الرسل وأتباعهم توحيد الله والإخلاص له دون كل ما سواه سبحانه وتعالى ، وهكذا طلب الهداية تطلب من ربك الهداية فأنت في حاجة إلى الهداية ولو كنت أتقى الناس ولو كنت أعلم الناس ، أنت في حاجة إلى الهداية حتى تموت ولهذا علمنا سبحانه في الفاتحة أن نقول في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفريضة غير النافلة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ..

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الناس وأكمل الناس هداية عليه الصلاة والسلام ومع هذا يقول في استفتاحه في الصلاة : ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطك المستقيم))

يطلب من ربه الهداية وهو سيد ولد آدم قد هداه الله وأعطاه كل خير ، ومع هذا يطلب من ربه الهداية فإننا كلنا في حاجة إلى الهداية العالم والمتعلم والعامة والخاصة والرجال والنساء كلنا في حاجة إلى الهداية ولهذا شرع الله لنا أن نقول : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ والمعنى دلنا على الخير وأرشدنا إليه وثبتنا عليه ، والصراط المستقيم هو دين الله وهو القرآن والسنة يعني ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، فهذا هو الصراط المستقيم وهو الإسلام وهو الإيمان والبر والتقى وهو دين الله ، تطلب من ربك الهداية لهذا الصراط أن تستقيم عليه وأن يثبتك عليه حتى تموت وأنت على هذا الصراط وهو صراط المنعم عليهم من الرسل وأتباعهم وهو الصراط الذي استقاموا عليه وساروا عليه
قال تعالى : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[26] ثم يقول تعالى : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[27]
والمعنى أنك تسأله أن يجنبك طريق هؤلاء المغضوب عليهم والضالين ، والمغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به وهم اليهود وأشباههم ، والضالون هم الجهال الذين يتعبدون على غير علم وهم النصارى وأشباههم ،


تسأل الله أن يجنبك طريق هؤلاء وهؤلاء ، وأن يهديك طريق المنعم عليهم وهم الرسل وأتباعهم أهل العلم والعمل الذين عرفوا الحق وعملوا به هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم ، تسأل الله أن يهديك طريقهم وأن يمنحك العلم النافع والعمل الصالح حتى تستقيم ، وهذا كله من الأخلاق العظيمة ، وقال سبحانه في أول سورة البقرة : ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[28]


هذه من الأخلاق الفاضلة أيضا ، من أخلاق المؤمنين ، والإقامة للصلاة ، والإيمان بالغيب ، والإيمان بالله ورسوله ، والإيمان بالآخرة ، والإيقان بها ، والإيمان بالرسل الماضين وما أنزل إليهم كل هذا من الأخلاق العظيمة ، ومنها الإنفاق والجود والكرم كل هذا من الأخلاق العظيمة وهكذا يقول سبحانه في سورة البقرة : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[29]

هذه أيضا من صفات الأخيار وهذه من الأخلاق العظيمة التي مدحها الله وأخبر سبحانه أن أهلها هم الصادقون المتقون ، فعليك بهذه الأخلاق استقم عليها ،

وهكذا في سورة آل عمران في أثنائها يقول جل وعلا : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ[30]
اسمع ما مدحهم الله به من الأخلاق ، واستقم عليها ، ثم قال سبحانه في وصف المتقين : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[31] هذه من أخلاقهم العظيمة من أخلاق المتقين ومنها ما ذكره الله سبحانه بقوله : وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ والفاحشة هي المعصية . . .


هذه من أخلاقهم العظيمة التوبة والاستغفار من جميع المعاصي ثم قال سبحانه : وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ فليس هناك غافر إلا الله جل وعلا فهو سبحانه الذي يغفر الذنوب ويقبل التوبة .

ثم قال جل وعلا : وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[32] والمعنى أنهم لم يقيموا على المعاصي بل تابوا وأقلعوا منها خوفا من الله سبحانه وتعظيما له ، وهذه من أخلاقهم العظيمة أخلاق أهل الإيمان أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ[33] هذا هو جزاء التائبين الصادقين ، فالمؤمنون والمؤمنات هذه أخلاقهم : التقوى لله والاستقامة على هذا الدين والإنفاق في السراء والضراء والشدة والرخاء ، ولو بدرهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) وفي سورة براءة ذكر سبحانه أيضا جملة من أخلاقهم وذلك في قوله سبحانه وتعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[34]

هذه من أخلاق أهل الإيمان الرجال والنساء بعضهم أولياء بعض ، والأولياء فيما بينهم من أخلاقهم : المحبة والتواصي بالخير ، والتعاون على البر والتقوى ، فلا يغتاب بعضهم بعضا ، ولا ينم عليه ، ولا يشهد عليه بالزور ، ولا يظلمه ، هكذا المؤمنون والمؤمنات أولياء ليسوا متباغضين ، ولا متحاسدين ، ولا متشاحنين ، ولا يكذب بعضهم على بعض ، ولا يغتابه ، ولا ينم عليه ، ولا يشهد عليه بالزور ، ولا يظلمه في قول ولا عمل ولا دم ولا مال ، ولا يغشه في معاملة ، ولا يخونه في جميع الأحوال .

ثم قال سبحانه : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ هكذا أينما كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالأسلوب الحسن وبالطريقة الحميدة وبالعلم والبصيرة كما قال تعالى : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[35] فهم يأمرون عن بصيرة وينهون عن بصيرة ، والمعروف ما أمر الله به ورسوله ، والمنكر ما أنكره الله ورسوله ونهى عنه ، هكذا المؤمنون والمؤمنات إذا رأوا من بعض إخوانهم تقصيرا في طاعة الله أمروهم بمعروف ، وإن رأوهم يتخلفون عن الصلاة في الجماعة قالوا لهم : اتقوا الله وحافظوا على الجماعة فهي مفروضة عليكم ولا تتشبهوا بالمنافقين ، وهكذا لو رأيته يتعاطى الربا نصحته لله ، أو رأيته يجالس من ليس من الطيبين تنصحه وتذكره بالله ((فالمؤمن مرآة أخيه المؤمن)) ، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلا .


هذه من صفات المؤمنين وأخلاقهم دعاة إلى الله ناصحون لله ولعباده يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لكن بالأساليب الطيبة ، لا بالعنف والشدة حتى يقبل منهم الحق وحتى يستفيدوا ويستفاد منهم قال الله تعالى في كتابه العظيم : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[36] وقال سبحانه في دعوة الكفار : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[37] وهم اليهود والنصارى إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فمن ظلم يعامل بما يستحق ، وقال تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[38]

هكذا المؤمن من أخلاقه العظيمة الدعوة بالتي هي أحسن ويجادل بالتي هي أحسن يرفق بالناس يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) ويقول عليه الصلاة والسلام : ((إن الرفق لا يكون في الشيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)) ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام : ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)) فلابد من صبر ولا بد من حلم ولابد من رفق في أمرك ونهيك ودعوتك ، ويقول سبحانه في آخر سورة التوبة لما ذكر المجاهدين قال في وصفهم : التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ[39] هذه أخلاق أهل الإيمان ، والجهاد قبلها يقول سبحانه : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[40] ثم ذكر صفاتهم فقال : التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ[41]


هذه صفات الأخيار من أهل الإيمان والجهاد ، وقال سبحانه في سورة يونس عليه الصلاة والسلام : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[42] ثم بينهم فقال : الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[43] هؤلاء أولياء الله إذا أردت أن تصير منهم فعليك بهذا الخلق العظيم ، وهو الإيمان الصادق بالله ورسوله وبكل ما أخر الله به ورسوله ، والتقوى بطاعة الأوامر وترك النواهي ، فمن تخلق بهذا الخلق فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم : الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ والمعنى أنهم آمنوا بالقلوب وصدقوا بالأقوال والأعمال ، فهؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا بأن الله هو الواحد المستحق للعبادة وصدقوا ذلك بالعمل ووحدوا الله وخصوه بالعبادة وتركوا الإشراك به ، وعرفوا أن الله أوجب الصلاة فصلوا وحافظوا عليها . في الجماعة وعرفوا الزكاة فأدوا الزكاة وأنها فريضة ، وهكذا عرفوا الصوم وأنه من أخلاق المؤمنين فريضة فصاموا رمضان ، وعرفوا الحج فأدوه كما أمر الله ، وعرفوا الجهاد فجاهدوا ، وهكذا عرفوا المحارم فاجتنبوها وحذروها مثل الزنا وعقوق الوالدين وشرب المسكر والربا وأكل مال اليتامى وغير هذه المحرمات عرفوها واجتنبوها ، طاعة لله وتعظيما له ورغبة فيما عنده سبحانه وتعالى ،


هكذا المؤمنون الصادقون والمؤمنات الصادقات ، وقال سبحانه في سورة المؤمنون : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[44]

هذه أخلاق المؤمنين في كل مكان وزمان يذكرها سبحانه ليعلمها العباد ويستقيموا عليها ويحفظوها ومعنى قوله سبحانه : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ أي فازوا وظفروا بكل خير وحصلوا على كل خير ثم ذكر صفاتهم فقال : الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ بدأ بالخشوع في الصلاة لعظم شأنه وشأن الصلاة ، فإذا دخلت في الصلاة فاخشع فيها لربك ، واطمئن وأقبل عليها بقلبك وبدنك حتى تكتب لك كاملة ويحصل لك الأجر العظيم ، وإياك والوسوسة وقت الصلاة وإياك والخوض هاهنا وهاهنا بالأفكار والهواجس أقبل على صلاتك واخشع فيها لربك واجمع عليها قلبك تفلح غاية الفلاح ثم قال سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ والمعنى أنهم يعرضون عن كل باطل ، وقد فسر اللغو بالشرك وبالمعاصي وبكل ما لا خير فيه ، فالمؤمن في صلاته يجتنب ذلك كله ثم قال سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ والزكاة هنا تشمل زكاة المال وزكاة النفس ،

وهكذا المؤمن يزكي نفسه بطاعة الله ورسوله ويزكي ماله بأداء الحق الذي عليه ، ثم قال سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فالمؤمن حافظ فرجه إلا من زوجته أو سريته وهي ملك يمينه ، وهكذا المؤمنة تحفظ فرجها إلا من زوجها أو سيدها وهو مالكها إذا كان لها سيد مالك ، فمن فعل الزنا أو اللواط أو أتى المرأة في دبرها أو في حالة الحيض أو النفاس أو تعاطى العادة السرية- وهي الاستمناء- ولم يحفظ فرجه صار عاديا أي ظالما ، فالمؤمن يأتي زوجته في قبلها في غير الحيض والنفاس وفي غير الإحرام بل في الوقت الذي أباح الله له أن يأتيها فيه ، ثم قال تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ[45] رَاعُونَ هكذا المؤمن والمؤمنة يحفظ الأمانة ويؤديها ولا يخونها أبدا عملا بهذه الآية وبقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[46] وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[47]


فلابد من أداء الأمانة ورعايتها وقد عظم الله شأنها فقال سبحانه : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[48] فالأمانة أمرها عظيم ، والأمانة أمانتان أمانة الله ، وأمانة العباد ، فعليك أن تؤدي أمانة الله من صلاة وصوم وغير ذلك من الفرائض على الوجه الذي شرعه الله ، وعليك أن تؤدي أمانات الناس من ودائع ورهون وعوار وغير ذلك ، فعليك أن تؤدي الأمانتين وترعاهما بكل صدق وبكل حرص وبكل عناية ، وقال سبحانه في سورة المعارج : وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ[49] والمعنى أنهم لا يزيدون عليها ولا ينقصون بل يؤدون الشهادة كما أمر الله بدون زيادة ولا نقصان ولا كتمان ، عملا بهدى الله وبقوله سبحانه وتعالى : وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [50]


والشهادة بالزور من أكبر الكبائر ، فالمؤمن والمؤمنة يشهدان بالحق الذي عندهما لا يزيدان ولا ينقصان ، ولا يكتمان الشهادة بل يؤديانها كما حفظا وكما رأيا وكما سمعا ، ثم قال سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ[51] هكذا المؤمنون والمؤمنات يحافظون على الصلاة ويؤدونها في وقتها فالرجل يؤديها في الجماعة كما أمر الله بذلك ، والمرأة تؤديها في بيتها في وقتها كذلك ، وكل ما تقدم من الأخلاق التي أمر الله بها يجب على كل مؤمن ومؤمنة مراعاتها والمحافظة عليها ،
وقد وعدهم الله سبحانه على ذلك بالفردوس الأعلى في دار النعيم في قوله سبحانه في خاتمة الآيات : أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[52] ويقول سبحانه في سورة الحجرات : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[53] فمن أخلاق المؤمنين والمؤمنات الصدق واليقين الكامل في إيمانهم بالله ورسوله وبكل ما أخبر الله به ورسوله ، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس ، وقال سبحانه في سورة الأحزاب : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[54]


هذه الصفات هي صفات المؤمنين والمؤمنات وأخلاقهم ذكرها الله سبحانه في هذه الآية ترغيبا فيها وحثا عليها وهي عشر صفات لأهل الإيمان من الرجال والنساء فقال تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وهم الذين دخلوا في الإسلام ووحدوا الله وانقادوا لشرعه واعتقدوا الإسلام ودانوا به وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يعني أنهم مع خضوعهم لله ظاهرا هم مؤمنون أيضا بالقلوب ومصدقون لا كالمنافقين .


وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ القنوت دوام الطاعة يعني أنهم مع إسلامهم وإيمانهم استقاموا على طاعة الله ورسوله . وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ والمعنى أنهم صابرون على طاعة الله وعلى ترك معصيته رجالا ونساء ولا شك أن الصبر من أخلاق المؤمنين والمؤمنات فهم صابرون على الطاعة ، وصابرون عن المعصية ، وصابرون على المصائب وهذه أنواع الصبر فمن استكملها استكمل دينه .


وقوله : وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ والمعنى أنهم خاشعون في طاعة الله ورسوله ، فهم يؤدون صلواتهم في خشوع وخضوع وطمأنينة ، وهم مع ذلك متواضعون في جميع أعمالهم غير متكبرين ولا فخرين ، عملا بهذه الآية الكريمة وبالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد)) رواه الإمام مسلم في صحيحه . وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ يعني أنهم مجتهدون في الصدقة والإحسان بالمال والنفس والجاه ، يتصدقون بكل ما يستطيعون حسب الطاقة .


وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ كذلك فالصوم من أعظم الطاعات ومن أخلاق المؤمنين والمؤمنات وصوم رمضان هو أحد أركان الإسلام ، وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ المعنى أنهم يحفظونها عن الزنا وعن كل ما حرم الله .
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ هذه من صفاتهم وأخلاقهم العظيمة . فعليك يا عبد الله ، وعليك يا أمة الله العناية بهذه الأخلاق العظيمة التي أثنى الله على أهلها وأعد لهم المغفرة والأجر العظيم . وقال سبحانه في سورة الذاريات : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[55] هذه الصفات من أخلاق المتقين العظيمة : التهجد بالليل والاستغفار في السحر والصدقة للسائل والمحروم وهو الفقير .


وقال تعالى في سورة الحديد : آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[56] هذه أيضا من أخلاقهم العظيمة : الإنفاق مما جعلهم الله مستخلفين فيه حسب الطاقة وقد وعدهم الله على ذلك بالأجر الكبير ، فعليك يا عبد الله ، وعليك يا أمة الله التخلق بهذه الأخلاق العظيمة .
ويقول سبحانه في سورة الملك : إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ[57] فالخشية لله أمرها عظيم وعاقبتها حميدة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)) فلا بد من خوف الله وخشيته مع رجائه وحسن الظن به في جميع الأحوال حتى يؤدي المؤمن والمؤمنة ما أوجب الله ويدع ما حرم الله عن إيمان بالله سبحانه وخوف منه ورجاء لفضله ، وهذه الصفات من أعظم الأخلاق وأهمها وأنفعها للعبد في دينه ودنياه ، وهي أن يخشى الله ويراقبه ويرجو فضله وإحسانه مع القيام بحقه وترك معصيته أينما كان..

ولقد صدق من قال :

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

فالأخلاق التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها هي أسباب سعادة الأمة ورقيها وبقاء حكمها ودولتها ، ويقول آخر :

وليس بعامر بنيان قوم إذا أخلاقهم كانت خرابا

ومما ذكره الله سبحانه وتعالى من صفات أهل الإيمان وأخلاقهم يعلم أن الأمة لا تستقيم إلا بهذه الأخلاق ولا تقوم دولتهم إلا بهذه الأخلاق ، فلابد من التواصي بهذه الأخلاق من الدولة والأمة حتى ينصرهم الله ويعينهم على عدوهم وحتى يحفظ عليهم دينهم ودنياهم وأخلاقهم وصحتهم وملكهم وقهرهم لأعدائهم .


فالأخلاق التي شرعها الله ودعا إليها وبعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم إذا استقامت عليها الأمة حاكما ومحكوما كتب الله لهم النصر وأيدهم بروح منه ونصرهم على أعدائهم كما جرى لسلفنا الصالح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فقد نصرهم الله على عدوهم مع قلة عددهم وعدتهم وفتح عليهم الفتوحات العظيمة وأيدهم بنصر من عنده كما وعدهم سبحانه بذلك في قوله عز وجل : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[58]


وفي قوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[59] هكذا حصل لهم النصر لما استقاموا على الأخلاق العظيمة التي مدحها الله وأمر بها ، لما استقاموا وتواصوا بها نصرهم الله وملكوا غالب الدنيا وقهروا العالم وأدت لهم الجزية اليهود والنصارى والمجوس ، وأدى الخراج لهم آخرون من الكفار حتى ملك الصين ، إذ بلغت الدولة إلى هناك إلى أقصى المشرق وإلى أقصى المغرب ، فمنهم من أدى الخراج ، ومنهم من أدى الجزية ومنهم من دخل في دين الله بسبب قوة المؤمنين وأخلاقهم العظيمة التي مدحها الله وأوصاهم بها ، فلما قام بها ولاتهم وأمراؤهم وعامتهم وعلماؤهم استقام لهم الأمر وخافهم عدوهم ونصرهم الله عليه ، وفتحوا البلاد ودانت لهم العباد وأقاموا شرع الله في بلاد الله حتى بلغ ملك هذه الأمة أقصى المغرب وأقصى المشرق كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث ثوبان رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم ، فلما غير الناس غير الله عليهم وأخذ العدو بعض ما في أيديهم ، ومتى رجعوا إلى ربهم وأنابوا إليه واعتصموا بدينه رجعوا إلى دينهم واستقاموا عليه- رد الله لهم ما كان شاردا وأصلح لهم ما كان فاسدا ونصرهم على عدوهم ورد عليهم ملكهم السليب ومجدهم الغابر .



فالواجب على الحكام والأمراء والعلماء

والأغنياء والفقراء الإنابة إلى الله والرجوع إليه والتمسك بالأخلاق التي أوصى الله بها عباده ، والحذر الحذر من الأخلاق التي نهى الله عنها ، فمتى استقام الجميع وتعاونوا على البر والتقوى وتواصوا بهذه الأخلاق في جميع الأحوال في الشدة والرخاء في السفر والإقامة أيدهم الله ونصرهم على أعدائهم وأعطاهم الملك العظيم ورد إليهم ما سلب منهم وأصلح لهم ما فسد وهابهم أعداؤهم وخضعوا لهم وأدوا لهم الجزية والخراج خوفا من قهرهم لهم أو دخلوا في الإسلام كما جرى لسلفنا الصالح ، فوصيتي لكل من قرأ هذه الكلمة أو سمعها ، ولكل من تبلغه أن يتقي الله وأن يراقبه سبحانه أينما كان ، وأن يتمسك بالأخلاق التي أمر الله بها وأثنى على أهلها في القرآن العظيم أو أقرها أو أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة ، فيشرع للمسلم أن يلزمها وأن يستقيم عليها وأن يوصي بها إخوانه وأن ينصحهم بها أينما كانوا ، وأن يحذر الأخلاق التي ذمها الله وعابها ، أو ذمها رسوله محمد عليه الصلاة والسلام ليحذرها ولينهى عنها وليوصي إخوانه بتركها ، وهذا هو معنى قوله جل وعلا :



وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[60] وهذه الآية جامعة لجميع الأخلاق الفاضلة ، ثم قال سبحانه في ختامها أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[61] ومن رحمة الله لهم أن ينصرهم ويؤيدهم على عدوهم ، ومن رحمته أن يكفيهم شر الأعداء ، ومن رحمته أن يعينهم على هذه الأخلاق ويوفقهم لها ، ومن رحمته أن يدر لهم الأرزاق وينزل الأمطار وينبت لهم النبات ويعطيهم كل ما يطلبون ، ومن رحمته سبحانه إدخالهم الجنة وإنجائهم من النار كما قال سبحانه بعدها : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[62] هذا هو جزاؤهم في الآخرة ، وفي الدنيا رحمة ونصر وتوفيق وتأييد ، وفي الآخرة رحمة لهم بإدخالهم الجنة ونجاتهم من النار .


أسال الله بأسمائه الحسنى أن يوفقنا وإياكم للتمسك بهذه الأخلاق التي مدحها الله وأمر بها وأثنى على أهلها وأن يوفقنا وجميع المسلمين في كل مكان وجميع ولاتهم وقادتهم في كل مكان من مشارق الأرض ومغاربها للتمسك بهذه الأخلاق العظيمة الفاضلة ، وأن يجنبنا وإياهم جميع الأخلاق المذمومة وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، وأن يصلح قادة المسلمين وشعوبهم في كل مكان ، وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير ، وأن يعينهم عليه وأن يجمع كلمتهم على التقوى وأن ينصرهم بالحق وينصر الحق بهم ، وأن يفقههم في دينه ، وأن يثبتهم عليه ، وأن يصلح لهم البطانة ويعينهم على كل خير ، وأن يكثر أعوانهم في ذلك إنه سميع قريب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان .


كانت هذه مقدمة جعلتها كتوطئة بين يدي الموضوع لشيخنا العلامة غبن باز رحمه الله تعالى و أسأل الله أن يوفقنى لما يحبه ويرضاه وسيكون الموضوع عبارة عن سلسلة من أخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم موحد لله وما يضادها ..و سأعرضها على مراحل بإذن الله تعالى




الموضوع الأصلي : سلسلة اخلاق المسلم // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف

سلسلة اخلاق المسلم I_icon_minitimeالسبت 07 يناير 2012, 12:08 am
المشاركة رقم:
المعلومات

هدي السلف
الكاتب:
اللقب:
عضو ذهبى
الرتبه:
عضو ذهبى

البيانات
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 05/10/2011
عدد المساهمات : 913
عدد النقاط : 3961
تقيم الاعضاء : 41

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: خلق الحياء



سلسلة اخلاق المسلم


[size=18]
b]




الحياء..خلق الإسلام


إن للآداب والأخلاق صلة وثيقة بعقيدة الأمة ومبادئها، بل هي التجسيد العملي لقيمها ومثلها. الأخلاق والآداب هي عنوان التمسك بالعقيدة، ودليل الالتزام بالمبادئ والمثل. والحكم على مقدار الفضل وحسن السيرة راجع إلى الخلق العالي. ولا يتم التحلي بالخلق الفاضل والأدب الرفيع إلا بالترويض على نبيل الصفات، وكريم العوائد بالتعليم والتهذيب والاقتداء الحسن


أن الإسلام قد شمل في أخلاقه أحوال المسلم كلها؛ صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، فرداً وأسرة ومجتمعاً، فالاستئذان والسلام، والمصافحة والصدق، والتأدب في المزاح والمداعبة، وحفظ حقوق الإخوان، والأدب مع الأقارب والجيران، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، وتجنب الظلم والاحتقار والعدوان، كل ذلك وغيره باب واسع عظيم، وهو ثابت لا يتغير بتغير الزمان ولا بتحول المكان. غير أن لهذا الباب الواسع مفتاحاً وأن لهذه الأخلاق عنواناً وعليها دليلا.. ذلكم هو خلق الحياء من الله والحياء من الناس.أيها المسلم عندما ترى الرجل يتحرج من فعل ما لا ينبغي ويكسو الخجل وجهه إذا بدر ما لا يليق، فاعلم أنه حي الضمير، زكي العنصر نقي المعدن.

ما اذا رأيته صفيقاً، بليد الشعور، معوج السلوك، لا يبالي ما يأخذ أو يترك، فهو بعيد عن الخير ليس لديه حياء يردعه، ولا وازع يمنعه، يقع في الآثام، ويسف في ارتكاب الدنايا
إن المرء حين يفقد حياءه يتدرج من سيئ إلى أسوأ، ويهبط من رذيلة إلى أرذل، ولا يزال يهوي حتى ينحدر إلى الدركات السفلى.

و هذا ترتيب دقيق لأمراض النفوس. خطوات سيئة تقود إلى خطوات أشد منها نكراً.
إن الحياء والإيمان في قرن واحد إذا نزع أحدهما تبعه الآخر.رأى النبي رجلا يعاتب أخاه في الحياء فقال عليه الصلاة والسلام((دعه فإن الحياء من الإيمان))أخرجه البخاري (1/93-ح24) واللفظ له، ومسلم (1/63-ح36).


إنَّ العَينَ لَتَدمَعُ، وَإِنَّ القَلبَ لَيَحزَنُ، عَلَى قِلَّةِ الحَيَاءِ بَينَ العِبَادِ، فِي أَنحَاءِ البِلَادِ.
الحَيَاءُ خُلُقٌ رَفِيعٌ يَمنَعُ الإِنسَانَ عَنِ الِاتِّصَافِ بِالأَخلَاقِ السَّيِّئَةِ، وَالأَقوَالِ وَالأَفعَالِ القَبِيحَةِ.
الحَيَاءُ هُوَ أَسَاسُ مَكَارِمِ الأَخلَاقِ، وَمَنبَعُ كُلِّ فَضِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيهِ القَولُ الطَّيِّبُ، وَالفِعلُ الحَسَنُ.
الحَيَاءُ دَلِيلُ الدِّينِ الصَّحِيحِ، وَسِمَةُ الصَّلَاحِ الشَّامِلِ، وَعُنوَانُ الفَلَاحِ الكَامِلِ.
يَأتِي الحَدِيثُ عَنِ الدُّرَّةِ النَّفِيسَةِ «الحَيَاءِ»، فِي وَقتٍ تُنحَرُ فِيهِ الفَضِيلَةُ، وَتُذبَحُ فِيهِ الأَخلَاقُ مِنَ الوَرِيدِ إِلَى الوَرِيدِ، عَبرَ أَجهِزَةِ الفَسَادِ السَّمعِيَّةِ مِنهَا وَالبَصَرِيَّةِ، الَّتِي تَنسِفُ الحَيَاءَ نَسفًا، وَتُدَمِّرُهُ تَدمِيرًا، فَلَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ.


سلسلة اخلاق المسلم Alakhlaq-c035
[b][center]
تَعرِيفُ الحَيَاءِ

فما معنى الحياء إذن؟



ـ ا

معنى الحياء لغة:
تقول: رجل حَيِيٌّ ذو حَياءٍ بوزن فَعِيلٍ، والأُنثى بالهاء وامرأَة حَيِيَّة واسْتَحْيا الرجل واسْتَحْيَت المرأَة، وللعرب في هذا الحرف لغتان يقال اسْتَحَى الرجل يَسْتَحي بياء واحدة، واسْتَحْيا فلان يَسْتَحْيِي بياءَين، والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية في قوله عز وجل إنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مثلاً [البقرة:26]
.ويقال استحيت بياء واحدة وأصله استحييت. والحياء ممدود الاستحياء.والحياءمشتق من الحياة

ولذا قال بعض الفصحاء حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائة.
(قَالَ الْإِمَامُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْحَيَاةِ وَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الْحَيَاةِ فِيهِ لِشِدَّةِ علمه بمواقع الغيب)
معنى الحياء اصطلاحاً:
هوSadانقباض النفس من شيء وتركه حذراً عن اللوم فيه) .
وقال الحافظ ابن حجر: (الحياء: خلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير فيحق ذي الحق) .
وقيل هو: (تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ومحله الوجه ومنعه من القلب)

لحياء

ـ كما عرفه علماء الشريعة بأنه خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
أو هو الامتناع عن فعل ما يعاب.
وأخيرًا وهذا مرادنا هنا هو نهي النفس عن القبيح
[وهو كل ما يغضب الله تعالى].


ونتساءل الآن هل الحياء خلق مكتسب أم غريزي؟

أقسام الحياء
ينقسم الحياء باعتبار محله إلى قسمين:
1- القسم الأول: حياء فطري: وهو الذي يولد مع الإنسان متزوداً به، ومن أمثلته: حياء الطفل عندما تنكشف عورته أمام الناس، وهذا النوع من الحياء منحة أعطاها الله لعباده.
2- والقسم الثاني: حياء مكتسب: وهو الذي يكتسبه المسلم من دينه، فيمنعه من فعل ما يذم شرعاً، مخافة أن يراه الله حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
وينقسم باعتبار متعلقه إلى قسمين:
1- القسم الأول: الحياء الشرعي: وهو الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهو محمود.
2- القسم الثاني: الحياء غير الشرعي: وهو ما يقع سبباً لترك أمر شرعي، وهذا النوع من الحياء مذموم، وهو ليس بحياء شرعي، وإنما هو ضعف ومهانة)



درجات الحياء:



قسم شيخ الإسلام الهروي الحياء إلى ثلاث درجات:
(الدرجة الأولى : حياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه فيجذبه إلى تحمل هذه المجاهدة ويحمله على استقباح الجناية ويسكته عن الشكوى.
الدرجة الثانية : حياء يتولد من النظر في علم القرب؛ فيدعوه إلى ركوب المحبة ويربطه بروح الأنس ويكره إليه ملابسة الخلق .
الدرجة الثالثة : حياء يتولد من شهود الحضرة وهي التي لا تشوبها هيبة ولا تقارنها تفرقة ولا يوقف لها على غاية)

الحياء صفة من صفات الله عز وجل:


(حياء الله صفة من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة وهي صفة كمال تدل على الكرم والفضل والجود والجلال، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إذا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا))


قال ابن القيم في (النونية) (2/80) :


وهو الحييُّ فليسَ يفضحُ عبده



عندَ التجاهُرِ منهُ بالعصيانِ


لكنَّهُ يُلقِي عليه سِترهُ



فَهُو السِّتِّيرُ وصاحب الغفرانِ

قال الهرَّاس : (وحياؤه تعالى وصف يليق به ، ليس كحياء المخلوقين ، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم ، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه ؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه ، ويستعين بنعمه على معصيته ، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته ، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر ، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر)


الفرق بين الحياء والخجل:



(الخجل: معنى يظهر في الوجه لغم يلحق القلب عند ذهاب حجة أو ظهور على ريبة وما أشبه ذلك فهو شيء تتغير به الهيبة.
والحياء: هو الارتداع بقوة الحياء ولهذا يقال فلان يستحي في هذا الحال أن يفعل كذا، ولا يقال يخجل أن يفعله في هذه الحال لأن هيئته لا تتغير منه قبل أن يفعله فالخجل مما كان والحياء مما يكون.
وقد يستعمل الحياء موضع الخجل توسعا، وقال الأنباري: أصل الخجل في اللغة الكسل والتواني وقلة الحركة في طلب الرزق ثم كثر استعمال العرب له حتى أخرجوه على معنى الانقطاع في الكلام.
وفي الحديث (إذا جعتن وقعتن وإذا شبعتن خجلتن) وقعتن أي: ذللتن، وخجلتن: كسلتن.
وقال أبو عبيدة: الخجل هاهنا الأشر وقيل هو سوء احتمال العناء.
وقد جاء عن العرب الخجل بمعنى: الدهش.
قال الكميت:


فلم يدفعوا عندنا ما لهم



لوقع الحروب ولم يخجلوا

أي لم يبقوا دهشين مبهوتين)


الترغيب والحث على الحياء من القرآن والسنة


الترغيب والحث على الحياء من القرآن الكريم:

- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ[البقرة:26]
أي: لا يمنعه الحياء من أن يضرب مثلاً ولو كان مثلاً حقيراً ما دام يثبت به الحق.
- وقال تعالى: وَرِيشًا وَلِبَاسُ التقوى[الأعراف:26]
فُسر لباس التقوى بأنه الحياء كما روي عن الحسن ومعبد الجهني.

- وقال تعالى: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[القصص: 25].

قال مجاهد: (يَعْنِي: وَاضِعَةً ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا لَيْسَتْ بِخَرَّاجَةٍ وَلَا وَلَّاجَةٍ).قال الطبري: (فَأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَهِيَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ)
- وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإذا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ[الأحزاب:53].
قال ابن كثير: (وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّ دُخُولَكُمْ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَتَأَذَّى بِهِ، لَكِنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ)
وقال الشوكاني: (أَيْ يَسْتَحْيِي أَنْ يَقُولَ لَكُمْ: قُومُوا، أَوِ اخْرُجُوا)


الترغيب والحث على الحياء من السنة النبوية:
- عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت))

قال الخطابي: (قال الشيخ: معنى قوله النبوة الأولى أن الحياء لم يزل أمره ثابتاً واستعماله واجباً منذ زمان النبوة الأولى وأنه ما من نبي إلاّ وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه وأنه لم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها) .
وقال ابن دقيق العيد: (معنى قوله: "من كلام النبوة الأولى" إن الحياء لم يزل ممدوحاً مستحسناً مأموراً به لم ينسخ في شرائع الأنبياء الأولين)

وقال المناوي: (والمراد الحياء الشرعي الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام للأكابر وهو محمود


- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعبة، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان)) .
قال الخطابي: (ومعنى قوله الحياء شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان)
وقال السفيري: (إنما أفرد - صلى الله عليه وسلم - هذه الخصلة من خصال الإيمان في هذا الحديث وخصها بالذكر دون غيرها من باقي شعب الإيمان، لأن الحياء كالداعي إلى باقي الشعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلما كان الحياء كالسبب لفعل باقي الشعب خص بالذكر ولم يذكر غيره معه



وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي: (هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان فكل ما يقرب إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى، والعبد -مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحياء التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات)
- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((الحياء لا يأتي إلّا بخير)).
قال ابن بطال: (معناه أن من استحيا من الناس أن يروه يأتى الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحى والمميت، فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه عز وجل) .
قال ابن رجب: («الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»: فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيَحُثُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) .
- ومَرَّ النَّبِى عليه السلام عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِى الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ)) .
قال ابن بطال: (معناه أن الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده عن المعاصى ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له فى ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها من هذه الجهة) .
وقال العيني: (قَوْله: (فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان) أَي: من كَمَال الْإِيمَان، قَالَه أَبُو عبد الْملك، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة من الْإِيمَان وَهُوَ الِاكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بحيائه عَن الْمعاصِي، وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَصَارَ كالإيمان الْقَاطِع بَينه وَبَينهَا) .
- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) .
قال ابن رجب: (يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عنا لإصرار على ما حرم اللّه ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي اللّه - عز وجل - اللسان والفرج) .
وقال المباركفوري في شرح الحديث:
(قوله ((استحيوا من الله حق الحياء)) أي حياء ثابتا ولازما صادقا قاله المناوي وقيل أي اتقوا الله حق تقاته.
(قلنا يا نبي الله إنا لنستحيي) لم يقولوا حق الحياء اعترافا بالعجز عنه.
(والحمد لله) أي على توفيقنا به.
(قال ليس ذاك) أي ليس حق الحياء ما تحسبونه بل أن يحفظ جميع جوارحه عما لا يرضى.
(ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس) أي عن استعماله في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبرا.

(وما وعى) أي جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل استعماله.
(وتحفظ البطن) أي عن أكل الحرام.
(وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى.
(وتتذكر الموت والبلى) بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقا متفتتا يعني تتذكر صيرورتك في القبر عظاما بالية.

(ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء قاله القاري.
وقال المناوي لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى) .

أقوال السلف والعلماء في الحياء:

-قال عمر رضي الله عنه: ( من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه) .
- قال ابن القيم في حقيقة الحياء: (قال صاحب المنازل : الحياء : من أول مدارج أهل الخصوص يتولد من تعظيم منوط بود إنما جعل الحياء من أول مدارج أهل الخصوص: لما فيه من ملاحظة حضور من يستحيي منه وأول سلوك أهل الخصوص : أن يروا الحق سبحانه حاضرا معهم وعليه بناء سلوكهم وقوله : إنه يتولد من تعظيم منوط بود يعني : أن الحياء حالة حاصلة من امتزاج التعظيم بالمودة فإذا اقترنا تولد بينهما الحياء والجنيد يقول : إن تولده من مشاهدة النعم ورؤية التقصير ومنهم من يقول : تولده من شعور القلب بما يستحيي منه فيتولد من هذا الشعور والنفرة حالة تسمى الحياء ولا تنافي بين هذه الأقوال فإن للحياء عدة أسباب) .

- وقال أيضاً: (حياة القلب يكون فيه قوة خلق الحياء وقلة الحياء من موت القلب والروح فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم.
- قال الجنيد رحمه الله : الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق.
- ومن كلام بعض الحكماء : أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه وعمارة القلب : بالهيبة والحياء فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير وقال ذو النون : الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربك والحب ينطق والحياء يسكت والخوف يقلق.

- وقال السري : إن الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإلا رحلا وفي أثر إلهي يقول الله عز و جل : ابن آدم إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ومحوت من أم الكتاب زلاتك وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة .
- وفي أثر آخر : أوحى الله عز و جل إلى عيسى عليه الصلاة و السلام : عظ نفسك فإن اتعظت وإلا فاستحي مني : أن تعظ الناس .

- وقال الفضيل بن عياض : خمس من علامات الشقاوة : القسوة في القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة في الدنيا وطول الأمل ، وفي أثر إلهي ما أنصفني عبدي يدعوني فأستحيي أن أرده ويعصيني ولا يستحيي مني) .
- وقال أبو عبيدة الناجي: سمعت الحسن يقول : (الحياء والتكرم خصلتان من خصال الخير ، لم يكونا في عبد إلا رفعه الله عز وجل بهما)
- (وقال ابن عطاء: العلم الأكبر: الهيبة والحياء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحياء لم يبق فيه خير.
- وقال ذو النون المصري: الحياء وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربك تعالى.
- وقال أبو عثمان: من تكلم في الحياء ولا يستحي من الله عز وجل فيما يتكلم به، فهو مستدرج.
- وقال الجريري: تعامل القرن الأول من الناس فيما بينهم بالدين، حتى رق الدين.. ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة.
- وقيل: من علامات المستحي: أن لا يرى بموضع يستحيا منه.)

- وقال ابن أبي الدنيا: قيل لبعض الحكماء : ما أنفع الحياء ؟ قال : أن تستحي أن تسأله ما تحب وتأتي ما يكره .
- وقال ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحياء ، وزين الحكيم الصمت)


فوائد الحياء


للحياء فوائد عديدة وسمات حميدة، فيزيد عزة المرء بنفسه، ويعظم قدره عند غيره، ويكسب رضا ربه.
فمن فوائده:

- الحياء من خصال الإيمان.
- هجر المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى.
- الإقبال على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل.
- يبعد عن فضائح الدنيا والآخرة.
- أصل كل شعب الإيمان.
- يكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير ولا يؤذي من يستحق الإكرام.
- لا يمنع من مواجهة أهل الباطل ومرتكبي الجرائم.
- هو دليل على كرم السجية وطيب المنبت.
- صفة من صفات الأنبياء والصحابة والتابعين .
- من استحى من الله ستره الله في الدنيا والآخرة.
- يعد صاحبه من المحبوبين عند الله وعند الناس.
- يمنع الشخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء من أوحالها.
- يدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، والتخلي عن كل قبيح مكروه .


فَضَائِلُ الحَيَاءِ


أَوَّلًا: الحَيَاءُ مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ: أَوْ قَالَ: «الـحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» .
وَهُوَ أَصلُ كُلِّ خَيرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الخَيرِ أَجمَعِهِ .


«لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ المَعَاصِي، وَيَحُولُ بَيْنَ الـمَرْءِ وَالقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لَا يُنْتِجُ إِلَّا خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنَ ارْتِكَابِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ بِسَبٍّ وَشَتمٍ، فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الكَلَامِ المُحَرَّمِ، كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ» .
وَلِـهَذَا كَانَ الحَيَاءُ خَيرًا كُلُّهُ، بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ.
عَنْ قُرَّةَ - ابنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ» . لِعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ، وَجَلِيلِ قَدْرِهِ، وَسُمُوِّ مَحَلِّهِ، وَرِفعَةِ شَأنِهِ، وَعَظِيمِ نَفعِهِ.

ثَانِيًا: الحَيَاءُ إِيمَانٌ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ» .
الحَيَاءُ وَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ لَا يَفتَرِقَانِ إِلَّا جَمِيعًا؛ لِاستِوَائِهِمَا فِي الحَثِّ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَعمَالِ البِرِّ وَالخَيرِ، وَالزَّجرِ عَن كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ مِنَ الفُحشِ وَالفَوَاحِشِ، وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَالآثَامِ. فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَرْءِ رُفِعَ مِنْهُ الْآخَرُ. وَهَذَا مُشعِرٌ بِعَظَمَةِ الحَيَاءِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالـحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ» .

يَعْنِي: شُعْبَةً عَظِيْمَةً وَمُهِمَّةً مِنَ الإِيْمَانِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: التَّنْبِيْهُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ الشُّعَبِ .
وَإِنَّمَا خَصَّهُ هُنَا بِالذِّكْرِ، «لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِثْلَ الإِيْمَانِ مِنَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ، وَمَا يُعَدُّ مِنَ الفُحْشِ وَالفَوَاحِشِ» .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «دَعْهُ، فَإِنَّ الـحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ» .


ثَالِثًا: الحَيَاءُ أَبهَى زِينَةٍ:
إِنَّ الوَجْهَ المَصُوْنَ بِالحَيَاءِ، كَالجَوْهَرِ المَكْنُوْنِ فِي الوِعَاءِ، وَكَاللَّآلِئِ فِي البِحَارِ، وَكَاللُّبَابِ فِي الثِّمَارِ، وَلَنْ يَتَزَيَّنَ إِنْسَانٌ بِزِيْنَةٍ، هِيَ أَبْهَى وَلَا أَجْمَلُ مِنَ الحَيَاءِ.
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ» .
فَلَا يَكُونُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ؛ وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ، إِلَّا شَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ.
الحَيَاءُ مِفْتَاحُ كُلِّ خَيْرٍ.وَالفُحشُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.


رَابِعًا: الحَيَاءُ خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
عَن أَشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ [لِي] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَينِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» قُلتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الحِلمُ وَالحَيَاءُ» ... .
وَعَن يَعلَـى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَـرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ الـمِنبَـرَ، فَحَـمِدَ اللَّـهَ، وَأَثنَى عَلَـيـهِ؛ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّـيـرٌ، يُـحِبُّ الـحَيَاءَ وَالسَّتـرَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَلـيَستَتِـر» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَﮕ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَڬ... يُحِبُّ الْـحَيِيَّ الْعَفِيفَ الـْمُتَعَفِّفَ» .

خَامِسًا: الحَيَاءُ يَقُودُ إِلَى الجَنَّةِ:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ؛ وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ» .
* «الإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ»: هُوَ أَهلُ الإِيمَانِ فِي الجَنَّةِ. وَمَعنَى البَذَاءِ فِي النَّارِ: هُوَ أَهلُ البَذَاءِ فِي النَّارِ.
* «البَذَاءُ»: الفُحْشُ فِي القَوْلِ، وَالسُّوءُ فِي الخُلُقِ. وَالكَلَامُ البَذِيءُ: الكَلَامُ القَبِيحُ.
* «مِنَ الجَفَاءِ»: أَي أَهلُهُ التَّارِكُونَ لِلوَفَاءِ، الثَّابِتُونَ عَلَى غَلَاظَةِ الطَّبعِ وَقَسَاوَةِ القَلْبِ. وَهَذَا يُوْرِثُ تَرْكَ الصِّلَةِ وَالبِرِّ.


سَادِسًا: الحَيَاءُ خُلُقُ الإِسلَامِ:

الحَيَاءُ هُوَ مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ» .

وَمَعنَاهُ: أَنَّ كُلَّ دِينٍ لَهُ طَبعٌ وَسَجِيَّةٌ؛ وَإِنَّ طَبعَ هَذَا الدِّينِ، وَسَجِيَّتَهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ: الحَيَاءُ .
وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الإِسلَامِ حُسنُ الخُلُقِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا» .

إِذًا فَالحَيَاءُ تَركُ القَبَائِحِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَإِتيَانُ المَحَاسِنِ وَالخَيرَاتِ، وَهَذَا خُلُقُ الإِيمَانِ .
«وَلَولَا هَذَا الخُلُقُ لَم يُكرَمْ ضَيفٌ، وَلَم يُوفَ بِوَعدٍ، وَلَم تُؤَدَّ أَمَانَةٌ، وَلَم تُقْضَ حَاجَةٌ، وَلَم تُصَل رَحِمٌ؛ وَلَا بُرَّ وَالِدٌ، وَلَا رُحِمَ صَغِيرٌ، وَلَا وُقِّرَ كَبِيرٌ؛ وَلَا تَحَرَّى الرَّجُلُ الجَمِيلَ فَآثَرَهُ، وَالقَبِيحَ فَتَجَنَّبَهُ، وَلَا سَتَرَ لَهُ عَورَةً، وَلَا امتَنَعَ مِن فَاحِشَةٍ» .


سَابِعًا: الحَيَاءُ شَرِيعَةُ جَمِيعِ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَام:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ» .
رَفَعَ النَّبِيُّ عَلَيهِ السَّلَام قَدرَ هَذِهِ الكَلِمَةِ، وَأَجَلَّهَا، وَعَظَّمَ شَأنَهَا ؛ لَأِنَّهَا كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِخَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ .
فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّ الحَيَاءَ لَمْ يَزَل مُسْتَحْسَنًا فِيْ شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِيْنَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ وَلَمْ يُنْسَخْ فِيْ جُمْلَةِ مَا نَسَخَ اللَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، بَل تَدَاوَلَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَتَوَارَثُوهُ عَنْهُمْ، وَتَوَاصَوْا بِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.


ثَامِنًا: الحَيَاءُ مَانِعٌ مِن فِعلِ المَعَاصِي:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ» .
وَالمَعْنَى: أَنَّ الرَّادِعَ عَنِ القَبِيحِ إِنَّمَا هُوَ الحَيَاءُ، وبِغِيَابِ الحَيَاءِ: تَتَدَمَّرُ الأَخْلَاقُ، وَتُرْتَكَبُ الفَوَاحِشُ وَالمُوْبِقَاتُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ.
فَالحَيَاءُ هُوَ الحَائِلُ بَيْنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالإِمْسَاكِ عَنْهَا، وَأَنَّهُ كَالسَّدِّ إِذَا تَحَطَّمَ انْهَمَرَ المَاءُ يُغْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَالَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ لَا سَدَّ عِنْدَهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ لِيَفْعَلَهَا، وَلَا يَرَى بِهَا بَأْسًا.
لِذَلِكَ تَرَاهُ يَرضَى بِتَبَرُّجِ زَوجَتِهِ وَابنَتِهِ وَأُختِهِ، وَمُخَالَطَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ، وَدُخُولِهِنَّ عَلَيهِم، وَدُخُولِهِم عَلَيهِنَّ؛ حَتَّى عَظُمَ الشَّرُّ، وَعَظُمَ البَلَاءُ.
قَالَ القَائِلُ:
وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَالَ بَينِي --- وَبَيْنَ رُكُوْبِهَا إِلَّا الحَيَاءُ
فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ --- إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ


وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:

إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي --- وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِيْ العَيْشِ خَيْرٌ --- وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ
يَعِيْشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَى بِخَيْرٍ --- وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

يَبْقَى العُودُ غَضًّا طَرِيًّا مَا بَقِيَتِ القِشْرَةُ الخَضْرَاءُ، فَإِنْ سَقَطَتْ فَقَد آذَنَتْ حَيَاتُهُ بِالضُّمُورِ.
وَهَكَذَا النَّاسُ يَعِيْشُوْنَ فِي حَيَاةٍ وَسَعَادَةٍ، مَا دَامَ فِيْهِمْ خُلُقُ الحَيَاءِ؛ وَإِذَا فَقَدُوهُ فَقَدْ هَلَكُوْا، فَلَيْسَ فِيْهِمْ وَلَا فِي حَيَاتِهِمْ خَيْرٌ. فَلَا حَيَاةَ بِلَا حَيَاءٍ.

كَيفَ يَكُونُ الحَيَاءُ مِنَ اللَهِ تَعَالَى؟
عَن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «استَـحيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا نَستَـحْيِي وَالـحَـمدُ لِلَّـهِ؛ قَالَ: «لَـيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ: أَن تَـحفَظَ الرَّأسَ وَمَـا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَـا حَوَى، وَلتَذكُرِ الـمَوتَ وَالبِلَـى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَـرَكَ زَيـنَةَ الدُّنـيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَـحيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» .
نَعَمْ! هَذَا هُوَ الاِستِحيَاءُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، فَلَا يَسْمَعُ إِلَى فُحْشٍ، وَغِنَاءٍ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ وَكَذَلِكَ يَحْفَظُ بَطْنَهُ فَلَا يُدْخِلُ إِلَيْهِ حَرَامًا، وَيَحْفَظُ فَرْجَهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فَاحِشَةً. وَيَذْكُرُ المَوْتَ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَسْتَعِدُّ لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَآثَرَ مَـا يَبقَى عَلَـى مَـا يَفنَى، فَآثَرَ الآخِرَةَ عَلَى الدُّنيَا. وَهَكَذَا يَكُونُ قَدْ تَحَقَّقَ بِمَعْنَى الاِستِحيَاءِ؛ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الحَيَاءِ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِـحًا مِنْ قَوْمِكَ» .
يَا لَهَا مِن وَصِيَّةٍ: مَا أَجَلَّهَا وَأَعْلَاهَا! لِمَن وُفِّقَ لِلعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا.
فَمِنْ وَقَارِ اللَّهِ: أَنْ يَسْتَحِيَ العَبْدُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى «فِي الخَلوَةِ، أَعظَمَ مِمَّا يَستَحِي مِنْ أَكَابِرِ النَّاسِ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟!
فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ.

قَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ --- وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا --- إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي


وَعَن مُعَاوِيَةَ بنِ حَيدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، عَورَاتُنَا مَـا نَأتِي مِنْهَا وَمَـا نَذَرُ؟ قَالَ: «احفَظْ عَورَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوجَتِكَ، أَو مَـا مَلَكَت يَمِيـنُكَ» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ القَومُ بَعضُهُـم فِـي بَعضٍ؟ قَالَ: «إِنِ استَطَعتَ أَن لَا يَـرَيَنَّـهَا أَحَدٌ، فَلَا يَـرَيَنَّـهَا» قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِـيًا؟ قَالَ: «اللَّـهُ أَحَقُّ أَنْ يُستَـحيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» .

فَقَد أَمَرَ النَّبِـيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم الرَّجُلَ: أَن يَستُـرَ عَورَتَـهُ، وَإِن كَانَ خَالِيًا لَا يَـرَاهُ أَحَدٌ، تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاستِحيَاءً مِنهُ؛ فَكَيفَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ حَيَاءُ الإِنسَانِ مِنهُ تَعَالَى، إِذَا رَآهُ حَيثُ نَهَاهُ؟!
«فَمَتَى كَمُلَ حَيَاءُ الإِنْسَانِ [مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]، فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ أَسْبَابُ الخَيْرِ، وَانْتَفَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الشَّرِّ؛ وَصَارَ بِالفَضْلِ مَشْهُورًا، وَبِالجَمِيلِ مَذْكُورًا» . فَسَلِمَتْ أَفْعَالُهُ، وَتَهَذَّبَتْ أَخْلَاقُهُ، وَطَهُرَ سِرُّهُ، وَظَهَرَ بِرُّهُ، وَقَلَّ شَرُّهُ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ.

خَلوَةُ الَّذِينَ لَا يَستَحيُونَ مِنَ اللَهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
لَمَّا غَابَ الحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ، تَجَرَّؤُوا عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ.
عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُم لَنَا، جَلِّهِم لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؛ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلدَتِكُم، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» .

فَهَؤُلَاءِ قَامُوا بِأَعمَالٍ ظَاهِرَةٍ، وَاعتَنَوا بِالمَظَاهِرِ، وَجَعَلُوهَا زَاهِيَةً؛ وَأَهمَلُوا سَرَائِرَهُم، وَبَوَاطِنَهُم، وَجَعَلُوهَا خَاوِيَةً، فَلَم يُرَاقِبُوا اللَّهَ فِي خَلَوَاتِهِم.
هَؤُلَاءِ يَنطَبِقُ عَلَيهِم قَولُ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَظهَرَ بَينَ الخَلقِ إِحسَانَهُ --- وَخَالَفَ الرَّحمَنَ لَمَّا خَلَا

«يَستَـخِفُّ بِنَظَرِ اللَّـهِ إِلَـيـهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَـيـهِ: وَهُوَ فِـي قَبضَتِـهِ، وَنَاصِـيَتُـهُ بِـيَدِهِ، وَيُعَظِّمُ نَظَرَ الـمَـخلُوقِ إِلَـيـهِ، وَاطِّلَاعَهُ عَلَـيـهِ بِكُلِّ قَلبِـهِ وَجَوارِحِهِ؛ يَستَـحيِي مِنَ النَّاسِ وَلَا يَستَـحيِي مِنَ اللَّهِ، وَيُعَامِلُ الـخَلقَ بِأَفضَلَ مَـا يَقدِرُ عَلَـيـهِ، وَإِن عَامَلَ اللَّـهَ عَامَلَـهُ بِأَهوَنَ مَـا عِنْدَهُ وَأَحقَرَهُ؛ وَإِن قَامَ فِـي خِدمَةِ مَن يُـحِبُّهُ مِنَ البَشَـرِ، قَامَ بِالـجِدِّ وَالِاجتِـهَادِ وَبَذلِ النَّصِـيـحَةِ، وَقَدْ فَرَّغَ لَـهُ قَلبَـهُ وَجَوَارِحَهُ، وَقدَّمَهُ عَلَى كَثِيـرٍ مِن مَصَالِـحِهِ» .
«أَفَلَا يَستَحِي العَبدُ مِن رَبِّهِ وَمَولَاهُ وَمَعبُودِهِ أَن لَا يَكُونَ فِي عَمَلِهِ هَكَذَا؟! وَهُوَ يَرَى المُحِبِّينَ فِي أَشغَالِ مَحبُوبِيهِم مِنَ الخَلقِ كَيفَ يَجتَهِدُونَ فِي إِيقَاعِهَا عَلَى أَحسَنِ وَجهٍ وَأَكمَلِهِ، بَل هُوَ يَجِدُ مِن نَفسِهِ ذَلِكَ مَعَ مَن يُحِبُّهُ مِنَ الخَلقِ، فَلَا أَقَلَّ مِن أَن يَكُونَ مَعَ رَبِّهِ بِهَذِهِ المَنزِلَةِ» .
عَن أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنكَ شَيئًا، فَلَا تَفعَلهُ إِذَا خَلَوتَ» .
أَفَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ يَخلُونَ بِمَحَارِمِ اللَّهِ وَيَدخُلُونَ عَلَى المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَيُشَاهِدُونَ الأَفلَامَ الخَلِيعَةَ، أَن يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ: مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ تُبلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَيُحَصَّلَ فِيهِ مَا فِي الصُّدُورِ. يَومَ يَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ، لِمَن زَلَّت بِهِ القَدَمُ، قَبلَ أَنْ يَقُولَ المُذنِبُ: رَبِّ ارجِعُونِ. فَيُقَالَ لَهُ: هَيهَاتَ، فَاتَ مَا فَاتَ، وَكَانَ مَا كَانَ، وَأَتَى مَا هُوَ آتٍ، وَقَد بَعُدَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ المَسَافَاتُ.
قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ﴾ [المؤمنون: 99 - 100].
يَا مَن يُشَاهِدُ المَحَطَّاتِ المَاجِنَةَ، وَيَسمَعُ الأَصْوَاتَ الفَاجِرَةَ؛ الَّتِي تَعْمَلُ فِي القُلُوبِ، أَعْظَمَ مِنَ السُّمِّ فِي الأَبْدَانِ؛ اعلَمْ بِأَنَّ «مَنِ استَحيَى مِنَ اللَّهِ عِندَ مَعْصِيَتِهِ، اسَتَحيَى اللَّهُ مِن عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلقَاهُ؛ وَمَن لَم يَستَحِ مِن مَعْصِيَتِهِ، لَمْ يَسْتَحِ مِن عُقُوبَتِهِ» .
وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
يَا مُدمِنَ الذَّنبِ أَمَا تَستَحِي --- وَاللَّهُ فِـي الخَلوَةِ ثَانِيكَا
غَرَّكَ مِن ربِّكَ إِمهَالُـهُ --- وَسَترُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا

يتبع..




الموضوع الأصلي : سلسلة اخلاق المسلم // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف

سلسلة اخلاق المسلم I_icon_minitimeالأحد 12 فبراير 2012, 11:25 pm
المشاركة رقم:
المعلومات

هدي السلف
الكاتب:
اللقب:
عضو ذهبى
الرتبه:
عضو ذهبى

البيانات
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 05/10/2011
عدد المساهمات : 913
عدد النقاط : 3961
تقيم الاعضاء : 41

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:


مُساهمةموضوع: رد: سلسلة اخلاق المسلم



سلسلة اخلاق المسلم



نَمَاذِجُ مُشرِقَةٌ مِنَ الحَيَاءِ

1- أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» .
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، وَلَكِنَّهَا تَقُوْلُ: إِنَّ النِّسَاءَ لَا تُطِيْقُ هَذَا، لِأَنَّ أَقْدَامَهُنَّ سَتَنْكَشِفُ عِنْدَ المَشْيِ، فَلَمْ تَرْضَ أَنْ يُرْخَى الثَّوْبُ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِي الأَرْضِ؛ وَلَكِنَّ فَتَيَاتِ هَذَا الزَّمَانِ رَضِيْنَ بِهَذَا الشِّبْرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِيْ الأَرْضِ، لَكِنَّهُ شِبْرٌ فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ.
الْمَرْأَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَيَاءِ، فَإِذَا فَقَدَتِ الْمَرْأَةُ حَيَاءَهَا؛ فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَفَعَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَطنُ الأَرضِ خَيرٌ لَهَا مِن ظَهرِهَا.

2- المَرْأَةُ السَّودَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنْ عَطَاءَ بنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَلَا أُرِيْكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّودَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ - الصَّرْعُ: عِلَّةٌ فِي الجِهَازِ العَصَبِيِّ تَصحَبُهَا غَيبُوبَةٌ وَتَشَنُّجٌ فِي العَضَلَاتِ، وَقَد تَكُونُ بِدُخُولِ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصرُوعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُون إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: 275] -، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ - أَي: خَشِيَتْ أَن تَظهَرَ عَورَتُهَا وَهِيَ لَا تَشعُرُ -، فَادْعُ اللَّهَ لِي - أَي: بِالعَافِيَةِ مِن هَذَينِ الأَمرَينِ -؛ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا .
حَرَصَتْ عَلَى عَدَمِ التَّكَشُّفِ وَسَترِ العَورَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ المَفَاسِدِ مَا لَا يَخفَى.
فَهَذِهِ المَرْأَةُ سَوْدَاءُ، لَكِنْ قَلبُهَا أَبْيَضُ. قَدْ تَصْبِرُ عَلَى المَرَضِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ الصَّبْرَ عَلَى خَدْشِ الحَيَاءِ، وَجَرْحِ العَفَافِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهَا.
أَلَمْ يَأْنِ لِلنِّسْوَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ العَصِيبِ: أَنْ يَقْتَدِيْنَ بِهَذِهِ المَرْأَةِ، وَيَتَرَبَّيْنَ عَلَى العَفَافِ وَالحَيَاءِ؟!


نماذج من حياء الأنبياء والمرسلين:


- حياء أبينا آدم وأمنا حواء:

إن الحياء خاصية من الخصائص التي حبا الله بها الإنسان ليبتعد عن مزاولة الذنوب والمعاصي والشهوات، وحينما أكل آدم وحواء من شجر الجنة التي نهاهما الله عن الأكل منها، بدت لهما سوءاتهما، فأسرعا يأخذان من أوراق الجنة ليسترا عوراتهما، فتحدث القرآن الكريم عن ذلك بقوله: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.... [الأعراف:22]
وهذا يدل على أن الإنسان مفطور على الحياء، وأما قلة الحياء فهي منافية للفطرة، بل من اتباع الشيطان.

- حياء نبي اللّه موسى عليه السلام:
جاء في وصف موسى عليه السلام أنه كان حيّيّا ستِّيراً، حتى كان يستر بدنه، ويستحي أن يظهر مما تحت الثياب شيئاً حتى مما ليس بعورة. وبسبب تستره الزائد آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: ما يبالغ في ستر نفسه إلا من عيب في جسمه، أو من أدرة هو مصاب بها .
فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا ، أو أربعا ، أو خمسا فذلك قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا. [الأحزاب:69])) .


نماذج من حياء الأمم السابقة:



- حياء ابنة شعيب:
قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[القصص: 25].
وهذه الآية تتحدث عن حياء ابنة شعيب حين جاءت إلى موسى عليه السلام تدعوه إلى أبيها ليجزيه على صنيعه، فجاءت إليه تمشي على استحياء، فمن شدة حيائها، قد فاض حياؤها حتى ملأ الأرض حياء .
وقال عمر رضي الله عنه: (فأقبلت إليه ليست بسلفع من النساء لا خراجة ولا ولاجة، واضعة ، ثوبها على وجهها) .
- حياء العرب في الجاهلية:
كان أهل الجاهلية يتحرجون من بعض القبائح بدافع الحياء، فها هو هرقل يسأل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أبو سفيان: (فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه) ، فمنعه الحياء الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يوصف بالكذب، ويشاع عنه ذلك .
قال عنترة:


وأغض طرفي إن بدت لي جارتي



حتى يواري جارتي مأواها


نماذج من حياء النبي صلى الله عليه وسلم:


كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، بل كان أشد حياء من العذراء في خدرها؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها)) .وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه.
قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[الأحزاب: 21].

- حياؤه من الله:
ومن مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم حياؤه من خالقه سبحانه وتعالى؛ وذلك لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام: ((استحييت من ربي)) .
فحياء النبي صلى الله عليه وسلم منعه من مراجعة ربه بعد أن سأله مرات أن يخفف عن أمته عدد الصلوات.

- حياؤه من الناس:
من ذلك ما روي عن عائشة ، ((أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض ، فأمرها كيف تغتسل ، ثم قال : خذي فرصة من مسك فتطهري بها. قالت : كيف أتطهر بها ؟ قالت : فستر وجهه بطرف ثوبه وقال : سبحان الله تطهري بها. قالت عائشة : فاجتذبت المرأة فقلت : تتبعي بها أثر الدم)).
- حياؤه عند زواجه من زينب رضي الله عنها:
ومن صور حيائه صلى الله عليه وسلم، ما جاء في الصحيحين، عن أنس بن مالك قال : ((بني على النبي صلى الله عليه و سلم بزينب ابنة جحش بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقلت : يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه قال : ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته قالت : وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك يا رسول الله ؟ بارك الله لك ؟ فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه و سلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزل آية الحجاب)) .
- حياؤه في تعامله مع من بلغه عنه شيئاً:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- ((إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ فُلاَنٍ يَقُولُ وَلَكِنْ يَقُولُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا)) .
- حياء النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي أهله:
روى الخطيب في تاريخه عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه زاد الخلال وقال للتي تكون تحته عليك بالسكينة والوقار)) .
وكان في بيته أشد حياء من العاتق لا يسألهم طعاماً ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب وكان ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب .
بل كان إذا أراد أن يغتسل اغتسل بعيدًا عن أعين الناس، ولم يكن لأحد أن يراه، وإن ذلك على شيء فإنما يدل على شدة حيائه صلى الله عليه وسلم.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتٍ، وَمَا رَأَى عَوْرَتَهُ أَحَدٌ قَطُّ)) .
ومن حيائه صلى الله عليه وسلم ما ورد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَيِيًّا لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَى)) .


نماذج من حياء الصحابة رضي الله عنهم:


- حياء أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

خطب الصديق الناس يوماً فقال: (يا معشر المسلمين ، استحيوا من الله ، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل) .
- حياء عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عرف عثمان رضي الله عنه بشدة الحياء، حتى أن الملائكة كانت تستحي منه، فعن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه - قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) .
وذكر الحسن البصري عن عثمان رضي الله عنه وحياؤه: فقال: (إن كان ليكون في البيت، والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه) .
- حياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
عَنْ عَليٍّ رضي الله عنه قَالَ ((كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَكُنْتُ أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ)) .
- حياء عائشة رضي الله عنها:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي فَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلاَّ وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَي ثِيَابِي حَيَاءً مِنْ عُمَرَ) .
- حياء فاطمة بنت عتبة رضي الله عنها:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ((جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ تُبَايِعُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَ عَلَيْهَا أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَزْنِينَ. الآيَةَ قَالَتْ فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا حَيَاءً فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا رَأَى مِنْهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَقِرِّى أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ فَوَاللَّهِ مَا بَايَعْنَا إِلاَّ عَلَى هَذَا. قَالَتْ فَنَعَمْ إذا. فَبَايَعَهَا بِالآيَةِ)) .
- حياء أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها:
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه و سلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال (إخ إخ) . ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك خادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني)

نماذج من حياء السلف:


الأمثلة من حياء السلف كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال بعض النماذج:

- عن الشعبي ، قال : سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تقول :


دعتني النفس بعد خروج عمرو



إلى اللذات تطلع اطلاعا


فقلت لها عجلت فلن تطاعي



ولو طالت إقامته رباعا



أحاذر أن أطيعك سب نفسي



ومخزاة تحللني قناعا


فقال لها عمر : (ما الذي منعك من ذلك ؟ قالت : الحياء وإكرام روحي فقال عمر: إن في الحياء لهنات ذات ألوان من استحيى اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي) .
- وقال محمد بن الفضل: (ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز وجل، وما نظرت أربعين سنة في شيء أستحسنه حياء من الله عز وجل، وما أمليت على ملكي ثلاثين سنة شيئاً، ولو فعلت ذلك لاستحييت منهما) .

- وقال الجراح الحكمي: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع .
- وروي أن عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلي ذات ليلة فسمعوا صوت الأسد فهرب من كان حوله، وهو قائم يصلي فلم ينصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحي من الله أن أخاف شيئاً سواه .

- وقال جعفر الصانع: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رجل ممن يمارس المعاصي والقاذورات فجاء يوماً إلى مجلس أحمد يسلم عليه فكأن أحمد لم يرد عليه رداً تاماً وانقبض منه فقال له: يا أبا عبد الله! لم تنقبض مني؟ فإني قد انتقلت عما كنت تعهدني برؤيا رأيتها قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وناس كثير أسفل جلوس قال: فيقوم رجل رجل منهم إليه فيقول: ادع لي! فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري قال: فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت عليه قال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟ قال: قلت: يا رسول الله! يقطعني الحياء لقبيح ما أنا عليه فقال: إن كان يقطعك الحياء فقم فسلني أدع لك فإنك لا تسب أحداً من أصحابي قال: فقمت فدعا لي فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر! يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينفع .
- وكان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود من قولها، وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقاً غاضاً بصره.
- ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزعُ؟ ومَنْ أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه ممَّا قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذَّنْبَ الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه .


الحياء في واحة الشعر..
قال الشاعر :


إذا لم تخشَ عاقبة الليالي



ولم تستحي فاصنع ما تشاءُ


يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ



ويبقى العود ما بقي اللحاءُ


وما في أن يعيش المرء خيرٌ



إذا ما الوجه فارقه الحياءُ

وقال أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جدعان بالحياء :


أأذكر حاجتي أم قد كفاني



حياؤك ؟ إن شيمتك الحياءُ


وعلمك بالأمور وأنت قِرْمٌ



لك الحسب المؤثَّلُ والثناءُ

وقالت ليلى الأخيلية تصف توبة بن الحُمَيِّر :


فإن تكن القتلى بواءً فإنكم



فتىً ما قتلتم آل عوف بن عامرِ


فتىً كان أحيا من فتاةٍ حييةٍ



وأشجع من ليثٍ بخفَّان خادرِ

وقال الفضل بن عباس بن عُتبة :


إنا أناسٌ من سجيَّتنا



صدق الحديث ورأيُنا حتْمُ


لبسوا الحياء فإن نظرتَ حسبتهم



سقموا ولم يمسسهم سُقمُ

وقال آخر :


حياءك فاحفظه عليك فإنما



يدل على فضل الكريم حياؤهُ


إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤهُ



ولا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ


وقال آخر :


ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بيني



وبين ركوبها إلا الحياءُ


إذا رُزق الفتى وجهاً وقاحاً



تقلبَ في الأمور كما يشاءُ

وقال محمد بن حازم :


وإني ليثنيني عن الجهل والخنا



وشتم ذوي القُربى خلائقُ أربعُ


حياءٌ وإسلامٌ وتقوى وأنني



كريمٌ، ومثلي قد يضرُّ وينفعُ

وقال آخر :


كريمٌ يغضُّ الطرفَ فضلَ حيائهِ



ويدنو وأطراف الرماح دواني


وكالسيفِ إن لاينتهُ لانَ متنُهُ



وحدّاهُ إن خاشنتهُ خَشِنانِ


وقال آخر :


أعاذلتي قد جربت حسبي



وتم العقل وانكشف الغِطاءُ


فما في أن يعيش المرء خيرٌ



إذا ما المرءُ زايله الحياءُ


يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ



ويبقى العود ما بقي اللحاءُ

وقال العرجي :


إذا حُرم المرء الحياء فإنه



بكل قبيحٍ كان منه جديرُ



له قِحةٌ في كل شيءٍ، وسرُّهُ



مباحٌ، وخدناه خناً وغرورُ


يرى الشتمَ مدحاً والدناءةَ رفعةً



وللسمع منه في العظات نفورُ


ووجه الحياءِ ملبسٌ جلد رقةٍ



بغيضٌ إليه ما يشين كثيرُ


له رغبةٌ في أمره وتجردٌ



حليمٌ لدى جهل الجهولِ وقورُ


فرجِّ الفتى مادام بحيا فإنه



إلى خير حالاتِ المنيب يصيرُ

وقال آخر:


ما إن دعاني الهوى لفاحشة



إلا نهاني الحياء والكرم



فلا إلى فاحش مددت يدي



ولا مشت بي لريبة قدم

وقال آخر:


إذا رزق الفتى وجها وقاحا



تقلب فيالأمور كما يشاء


ولم يك للدواء ولا لشيء



يعالجه به فيه غناء


فما لك فيمعاتبه الذي لا



حياء لوجهه إلا العناء

وقال آخر:


إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا



وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع


إذا كنت تأتي المرء تعظم حقه



ويجهل منكالحق فالصرم أوسع



مَظَاهِرُ قِلَّةَ الحَيَاءِ

• خُرُوجُ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ... نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ... العَنُوهُنَّ، فَإِنَّهُنَّ مَلعُونَاتٌ...» .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» .

يَا سُبحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ! أَينَ عُقُولُ هَؤُلَاءِ؟ أَعُمِّيَتْ أَبصَارُهُنَّ وَبَصَائِرُهُنَّ؟!
فَهَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ الفَاجِرَاتُ اللَّوَاتِي خَالَفْنَ تَعَالِيمَ الدِّيْنِ وَآدَابَ الإِسلَامِ، فَخْلَعَنَ مَلَابِسَهُنَّ، وَكَشَفْنَ عَنْ سَوَاعِدِهِنَّ، وَلَبِسْنَ المَلَابِسَ الرَّقِيْقَةَ الَّتِي لَا تَسْتُرُ جَسَدًا، وَلَا تُخْفِي عَوْرَةً؛ وَإِنَّمَا تَزِيْدُ فِي الفِتْنَةِ وَالإِغْرَاءِ، وَمَشَيْنَ مِشْيَةً، فِيْهَا لَفْتُ أَنْظَارِ الرِّجَالِ. «فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ بِالِاسمِ، عَارِيَاتٌ فِي الحَقِيقَةِ» . يَنْطَبِقُ عَلَيْهِنَّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «... وَشَرُّ نِسَائِكُمُ المُتَبَرِّجَاتُ المُتَخَيِّلَاتُ، وَهُنَّ المُنَافِقَاتُ» .

وَلَقَدْ صَوَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ، وَهُنَّ يَتَبَخْتَرْنَ فِي الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، ويَتسَكَّعْنَ فِي الأَسْوَاقِ وَالمُنْتَدَيَاتِ، صَوَّرَهُنَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» أَيْ: أَنَّهُنَّ مَائِلَاتٌ فِي مِشْيَتِهِنَّ، مُمِيْلَاتٌ لِقُلُوْبِ الرِّجَالِ؛ ثُمَّ عَدَّدَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مِنْ قَبَائِحِهِنَّ: بِأَنَّهُنَّ يُصَفِّفْنَ شُعُورَهُنَّ، حَتَّى يُصْبِحَ شَعْرُ الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ مِثْلَ سَنَامِ الجَمَلِ فِي الِارْتِفَاعِ، وَقَدْ وَضَعَتْ عَلَيْهِ أَنْوَاعَ الزِّيْنَةِ؛ وَصَبَغَتْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الأَصْبَاغِ المُغْرِيَةِ، وَكَدَّسَتْهُ فَوْقَ رَأْسِهَا كَأَنَّهُ شَاهِقٌ مِنَ الجَبَلِ، أَوْ سَدٌّ عَالٍ مِنْ سُدُوْدِ الصِّيْنِ.
وَقَدْ خَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم هَذَا الحَدِيْثَ الشَّرِيفَ بِمَا يَفْزَعُ لَهُ قَلبُ الإِنْسَانِ، فَقَالَ: «لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا».
وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا العَذَابِ؟! أَنْ يُحْرَمَ الإِنسَانُ الجَنَّةَ وَنَعِيْمَهَا، وَأَلَّا يَجِدَ رِيحَهَا أَبَدًا، مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُوْجَدُ مِنْ مَسِيْرَةِ خَمْسِمِئَةِ عَامٍ؟!
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

• كَثرَةُ خُرُوجِ المَرأَةِ مِنَ البَيتِ:
عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ؛ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا، وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا» .
قَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»؛ أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: أَي: نَظَرَ إِلَيْهَا، لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا .


• خُرُوجُ المَرأَةِ مُتَعَطِّرَةً:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيْبِ يَنْفَحُ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ - أَي: رِيحٌ تَرْتَفِعُ بِتُرَابٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَسْتَدِيرُ كَأَنَّهَا عَمُودٌ -، فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ - نَادَاهَا بِهَذَا الِاسْمِ تَخْوِيفًا لَهَا -، جِئْتِ مِنَ الـمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي - أَيْ: مَحْبُوبِي - أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِـهَذَا المَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ» - أَي: كَغُسْلِهَا مِنَ الجَنَابَةِ -.
هَذَا حُكمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَن خَرَجَت إِلَى المَسجِدِ مُتَعَطِّرَةً. فَمَاذَا يَكُونُ حُكمُهُ فِيمَن تَخرُجُ إِلَى عُرسٍ وَنَحوِهِ مُتَعَطِّرَةً؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ.
وَعَنِ الأَشْعَرِيِّ (يَعنِي: أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ» .


مَشيُ المَرأَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ:
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ - وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الـمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِلنِّسَاءِ -: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». قَالَ: فَكَانَتِ الـمَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ! بَادَرْنَ إِلَى تَنْفِيذِ أَمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، بَلْ بَالَغْنَ فِي ذَلِكَ.

وَضعُ المَرأَةِ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا:
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ مِنَ الحَمَّامِ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟» قَالَتْ: مِنَ الحَمَّامِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا، فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ» .
وَعَنْ أَبِي الـمَلِيحِ الهُذَلِيِّ: أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، دَخَلنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلنَ نِسَاؤُكُنَّ الحَمَّامَاتِ؟! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ أَثْيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا، إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا» .
فَيَحرُمُ عَلَى الـمَرأَةِ أَن تَخلَعَ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا: كَالمَسَابِحِ، وَصَالُونَاتِ التَّجمِيلِ، وَالأَندِيَةِ الرِّيَاضِيَّةِ.

وَلتَتَأَمَّل كُلُّ مَنْ سَوَّلَتْ لَهَا نَفْسُهَا، وَأَمْلَى الشَّيْطَانُ لَهَا، بِخَلْعِ الحِجَابِ وَالحَيَاءِ، الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ... إِذْ قَالَ: «انْظُرُوا! هَلْ تَرَوْنَ شَيْئًا؟» فَقُلْنَا: نَرَى غِرْبَانًا فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فِي الغِرْبَانِ» .
الأَعْصَمُ: هُوَ أَحْمَرُ المِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّةِ مَنْ يَدخُلُ الجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ، لِأَنَّ هَذَا الوَصْفَ فِي الغِرْبَانِ عَزِيزٌ قَلِيلٌ.


صُوَرٌ مِنَ الحَيَاءِ المَذمُومِ

1- تَركُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ شَهِدَهُ، أَوْ سَمِعَهُ» .
كَأَنْ يَأْكُلَ وَالِدٌ بِشِمَالِهِ، فَيَسْتَحِيَ الوَلَدُ مِن نَهيِ أَبِيهِ عَنِ الأَكْلِ بِالشِّمَالِ حَيَاءً مِنْهُ.
فَلَا يَنْبَغِيْ لَكَ أَنْ تَتْرُكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، حَيَاءً مِنَ النَّاسِ.

قال تعالى: وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، [الأحزاب:53]
بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة من سمات هذه الأمة قال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
والنبي صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه لم ينثني عن قول الحق، ويتبين ذلك في موقفه مع أسامة بن زيد حينما أراد أن يشفع في حد من الحدود، فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه وسلم من أن يقول لأسامة في غضب أتشفع في حد من حدود الله . ثم قام فاختطب ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ فَإذا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ يَا رَبِّ رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ))


2- مُقَارَفَةُ الإِثْمِ اسْتِحيَاءً مِنَ النَّاسِ:
كَأَنْ تَمُدَّ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ يَدَهَا إِلَى رَجُلٍ فَيُصَافِحَهَا، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ اسْتَحْيَا مِنْهَا؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِيْ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيْدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» .
فَمَن صَافَحَ امرَأَةً أَجنَبِيَّةً حَيَاءً مِنهَا، فَليَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ التَّالِيَ:
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ؛ وَمَنِ التَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ» .
وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا رَضِيَ عَنِ العَبدِ، أَرضَى النَّاسَ عَنهُ؛ وَإِذَا سَخِطَ عَنِ العَبدِ، أَسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.


3- تَركُ طَلَبِ العِلمِ:

قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَتَعَلَّمُ العِلمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ .

إذا تعلق الحياء بأمر ديني، يمنع الحياء من السؤال فيه أو عرضه في تعليم أو دعوة، فإن مما ينبغي العمل به هو رفع الحرج، ومدافعة هذا الحياء الذي يمنع من التحصيل العلمي أو الدعوة إلى الله سواء عند الرجال أو النساء

وَلِهَذَا: فَإِنَّ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُنَّ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ مِنْ طَلَبِ العِلمِ الشَّرْعِيِّ.
قَالَت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: نِعمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنصَارِ، لَم يَكُن يَمنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَن يَتَفَقَّهنَ فِي الدِّينِ .

وورد أن أم سليم رضي الله عنها ((جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت يا رسول الله وتحتلم المرأة ؟ قال نعم تربت يمينك فيم يشبهها ولدها))

في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب ((أن أباموسى قال لعائشة - رضي الله عنها: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ وَإِنِّي أَسْتَحْيِيكِ. فَقَالَتْ لاَ تَسْتَحْيِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَمَّا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ فَإِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ. قُلْتُ فَمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَتْ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((إذا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ)) .
وروي عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قَالَ ((أَتَيْنَا عَائِشَةَ لِنَسْأَلَهَا عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَاسْتَحَينَا فَقُمْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَمَشَيْنَا لاَ أَدْرِي كَمْ ثُمَّ قُلْنَا جِئْنَا لِنَسْأَلَهَا عَنْ حَاجَةٍ ثُمَّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهَا فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا جِئْنَا لِنَسْأَلَكِ عَنْ شَيءٍ فَاسْتَحَيْنَا فَقُمْنَا. فَقَالَتْ مَا هُوَ سَلاَ عَمَّا بَدَا لَكُمَا. قُلْنَا أَكَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَتْ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ مِنْكُمْ))

4-فعل أمر نهى عنه الشارع:
فمن دفعه حياؤه إلى فعل أمر نهى عنه الشارع، أو إلى ترك واجب مرغوب في الدين فليس حييا شرعاً، وإنما هذا يعتبر ضعفاً ومهانة.
فليس من الحياء أن يترك الصلاة الواجبة بسبب ضيوف عنده حتى فاتته الصلاة.
وليس من الحياء أن يمتنع الشخص من المطالبة بالحقوق التي كفلها له الشرع .
صور الحياء كما ذكرها ابن القيم
ذكر ابن القيم صوراً للحياء وقسمها إلى عشرة أوجه وهي:
(حياء جناية وحياء تقصير وحياء إجلال وحياء كرم وحياء حشمة وحياء استصغار للنفس واحتقار لها وحياء محبة وحياء عبودية وحياء شرف وعزة وحياء المستحيي من نفسه.
فأما حياء الجناية : فمنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربا في الجنة قال الله تعالى : أفرارا مني يا آدم قال : لا يا رب بل حياء منك.
وحياء التقصير : كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك.
وحياء الإجلال : هو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.
وحياء الكرم : كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام واستحيى أن يقول لهم : انصرفوا.
وحياء الحشمة : كحياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله عن المذي لمكان ابنته منه.
وحياء الاستحقار واستصغار النفس : كحياء العبد من ربه عز و جل حين يسأله حوائجه احتقار الشأن نفسه واستصغارا لها.
وفي أثر إسرائيلي أن موسى عليه السلام قال : يا رب إنه لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحيي أن أسألك هي يا رب فقال الله تعالى : سلني حتى ملح عجينتك وعلف شاتك.
وقد يكون لهذا النوع سببان:
أحدهما : استحقار السائل نفسه واستعظام ذنوبه وخطاياه.
والثاني : استعظام مسؤوله.
وأما حياء المحبة : فهو حياء المحب من محبوبه حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه وأحس به في وجهه ولا يدرى ما سببه وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعة شديدة ومنه قولهم : جمال رائع وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس.
ولا ريب أن للمحبة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن فأين من يقهر قلبك وروحك إلى من يقهر بدنك ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق.
وقهر المحبوب لهم وذلهم له فإذا فاجأ المحبوب محبه ورآه بغتة : أحس القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف...
وأما الحياء الذي يعتريه منه وإن كان قادرا عليه كأمته وزوجته فسببه والله أعلم أن هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه فتولد منها الحياء وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب : فظاهر لاستيلائه على قلبه فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه.
وأما حياء العبودية : فهو حياء ممتزج من محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده وأن قدره أعلى وأجل منها فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.
وأما حياء الشرف والعزة فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان فإنه يستحيي مع بذله حياء شرف نفس وعزة وهذا له سببان: أحدهما : هذا. والثاني : استحياؤه من الآخذ حتى كأنه هو الآخذ السائل حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه وهذا يدخل في حياء التلوم لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.
وأما حياء المرء من نفسه : فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون فيجد نفسه مستحيا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر)
مِمَّ يَتَوَلَّدُ الحَيَاءُ؟

اعْلَـمْ - بَارَكَ اللَّـهُ فِـيكَ - بِأَنَّ أَعظَمَ الـحَيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَـى، الَّذِي نَتَقَلَّبُ فِـي نِعَمِهِ وَإِحسَانِـهِ اللَّـيلَ وَالنَّـهَارَ، وَلَا نَستَغنِـي عَنْهُ طَرفَةَ عَيـنٍ؛ وَنَحنُ تَـحتَ سَمعِهِ وَبَصَـرِهِ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ حَالِنَا وَقَولِنَا وَفِعلِنَا شَـيءٌ. فَهُوَ الَّذِي خَلَقَنَا، وَهُوَ الَّذِي رَزَقَنَا، فَنَطْعَمُ مِنْ خَيـرِهِ، وَنَتَنَفَّسُ فِـي جَوِّهِ، وَنَعِيشُ عَلَـى أَرضِهِ، وَنَستَظِلُّ بِسَمَـائِهِ؛ وَآلَاؤُهُ غَمَرَتنَا مِنَ الـمَهْدِ إِلَـى اللَّحدِ، وَإِلَـى مَـا بَعدَ ذَلِكَ مِن خُلُودٍ طَوِيلٍ فِـي الـجَنَّةِ - إِن شَاءَ اللَّـهُ تَعَالَـى -. فَكَيفَ لَا نَستَـحِي مِنْهُ؟ وَكَيفَ نُقَابِلُ كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ بِالإِسَاءَةِ؟!
وَالعَجَبُ مِمَّن يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا بِهِ مِنَ النِّعَمِ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يَستَحِي مِنَ الِاستِعَانَةِ بِهَا عَلَى ارتِكَابِ مَا نَهَاهُ عَنهُ!


وَيَتَوَلَّدُ الـحَيَاءُ مِنَ «الـمَعرِفَةِ بِعَظَمَةِ اللَّـهِ وَجَلَالِـهِ وَقُدرَتِـهِ، لِأَنَّـهُ إِذَا ثَبَتَ تَعظِيمُ اللَّـهِ فِـي قَلبِ العَبدِ، أَورَثَهُ الـحَيَاءَ مِنَ اللَّـهِ وَالـهَيبَةَ لَـهُ، فَغَلَبَ عَلَـى قَلبِـهِ خَمسَةُ أُمُورٍ:
أَوَّلًا: ذِكرُ اطِّلاعِ اللَّـهِ العَظِيمِ إِلَـى مَـا فِـي قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿وَاللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم﴾.
ثَـانِــيًـا: وَذِكرُ الـمَقَامِ غَدًا بَـيـنَ يَدَيـهِ.
ثَالِـثًـا: وَسُؤَالُـهُ إِيَّاهُ عَنْ جَـمِيعِ أَعمَـالِ قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. ﴿إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَائِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولًا﴾ [الإسراء: 36].
رَابِـعًـا: وَذِكرُ دَوَامِ إِحسَانِـهِ إِلَـيـهِ، بِأَنوَاعِ الإِحسَانِ وَالإِنعَامِ وَالأَرزَاقِ وَالعَطَايَا، وَهُوَ سُبحَانَهُ كَثِيرُ الإِحسَانِ، فَلَا نِهَايَةَ لِإِحسَانِهِ. ﴿وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾ [النحل: 53].
خَامِسًا: وَقِلَّةُ الشُّكرِ مِنْهُ لِرَبِّهِ. ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
فَإِذَا غَلَبَ ذِكرُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَـى قَلبِـهِ، [انبَعَثَتْ] مِنَ العَبدِ قُوَّةُ الـحَيَاءِ مِنَ اللَّـهِ، فَاستَـحيَى مِنَ اللَّـهِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَـى قَلبِـهِ، وَهُوَ مُعتَقِدٌ لِشَـيءٍ مِـمَّـا يَكرَهُ؛ أَو عَلَـى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، تَتَـحَرَّكُ بِمَـا يَكرَهُ، فَطَهَّرَ قَلبَـهُ مِنْ كُلِّ مَعصِـيَةٍ، وَمَنَعَ جَوَارِحَهُ مِنْ جَـمِيعِ مَعَاصِـيـهِ» .
فَيَستَحيِي مِن رَبِّهِ أَن يَرَاهُ عَلَى مَا يَكرَهُ، أَو يَسمَعَ مِنهُ مَا يَكرَهُ، أَو يُخفِيَ فِي سَرِيرَتِهِ مَا يَمقُتُهُ عَلَيهِ .

* * *
قبل الختام


الحياء من الأخلاق الرَّفيعة التَّي أمر بها الإسلام وأقرَّها ورغَّب فيها. وقد جاء في الصَّحيحين قول رسول الله -صلَّى الله عليهوسلَّم-:«
الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة. فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عنِ الطَّريق، والحياء شعبة من الإيمان
» [رواه مسلم . 35 .
والسِّر في كون الحياء من الإيمان: لأنَّ كلَّ منهما داعٍ إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشَّرِّ مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن
على فعل الطَّاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التَّفريط في حقِّ الرَّبِّ والتَّقصير في شكره. ويمنع
صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتَّقاء الذَّمِّ والملامة.


الخَاتِمَةُ

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَن تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَبَعْدُ:
إِنَّ الِاتِّصَافَ بِالحَيَاءِ مِنَ المَطَالِبِ العَالِيَةِ، وَالمَقَاصِدِ السَّامِيَةِ، وَالمَوَاهِبِ الغَالِيَةِ؛ وَأُمنِيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَغَايَةٌ كَرِيمَةٌ، لَا تَصْلُحُ الأَحْوَالُ إِلَّا بِـهَا.
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ «الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالتَّوْفِيْقُ فِيْ الأَعْمَالِ، وَصَلَاحُ الْبَالِ، وَنَيْلُ الْمَطَالِبِ، وَتَحْقِيْقُ الْمَآرِبِ؛ وَفِي الآخِرَةِ أَجْرٌ عَظِيْمٌ، وَثَوَابٌ جَزِيْلٌ» . وَعَطَاءٌ جَسِيمٌ، وَخَيرٌ غَزِيرٌ، وَفَوْزٌ دَائِمٌ.
الحَيَاءُ جَوهَرَةٌ ثَمِينَةٌ، غَالِيَةُ القِيمَةِ، فَقَدَهُ السَّوَادُ الأَعظَمُ مِنَ النَّاسِ.
عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ جَاهِدِيْنَ عَلَى إِحْيَاءِ خُلُقِ الْحَيَاءِ، الْخُلُقِ الرَّفِيْعِ فِي أَنْفُسِنَا، وَفِي الآخَرِيْنَ؛ خَاصَّةً عِنْدَ النِّسَاءِ، فِي زَمَنٍ ضَاعَ فِيْهِ الْحَيَاءُ.
وَاللَّهُ المُستَعَانُ، وَعَلَيهِ التُّكلَانُ، وَإِلَيهِ الرَّغبَةُ؛ وَهُوَ المَسْؤُولُ بِأَنْ يُوَفِّقَنَا، وَسَائِرَ إِخوَانِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: لِتَحقِيقِهَا عِلمًا وَعَمَلًا، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالمَانُّ بِهِ، وَهُوَ حَسبُنَا وَنِعمَ الوَكِيلُ.

[/b]
[/center]




الموضوع الأصلي : سلسلة اخلاق المسلم // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف



الإشارات المرجعية
الــرد الســـريـع
..


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17)




مواضيع ذات صلة


سلسلة اخلاق المسلم Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


Bookmark and Share


<div style="background-color: #15eb60;"><a href="http://news.rsspump.com/" title="news">news</a></div>

Loading...




 تحويل و برمجة فريق منتديات احلى حكاية لدعم الفنى و التطوير
facebook twetter twetter twetter