!~ آخـر 10 مواضيع ~! | ||||
| ||||
إضغط علي او لمشاركة اصدقائك! |
شاطر |
السبت 14 يناير 2012, 12:42 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر ( من أمثال القرآن ) للشيخ : ( سعيد بن مسفر ) عناصر الموضوع 1 أهمية الأمثال في الكتاب والسنة 2 بعض أمثال العرب ومقارنتها مع أمثال القرآن قول العرب: (القتل أنفى للقتل) قول العرب: (من جهل شيئاً عاداه) قول العرب: (ما تزرع تحصد) قول العرب: (لا تلد الحية إلا حية) 3 مثل المعرض عن دين الله الإعراض أحد أنواع الكفر صور الإعراض عن ذكر الله أهمية الذكر وعاقبة المعرضين عنه 4 مثل من يعلم ولا يعمل تشبيه الله لمن يعلم ولا يعمل بالحمار جزاء من طلب العلم لغير الله 5 مثل من يعلم ويعمل لكنه لا يثبت تشبيه الله للذين لا يثبتون على الدين بالكلب تشبيه المنتكس بالكلب في كثرة مساوئه الأصناف الثلاثة الذين شبههم الله بالحيوانات من أمثال القرآن إن ضرب الأمثال أسلوب تربوي بليغ التأثير عظيم النفع، ولأهمية هذه الأمثال في إيصال المراد فقد عُني بها القرآن وعنيت بها السنة. وقد حث الله سبحانه وتعالى على النظر والتأمل في الأمثال التي ضربها، والتي لا يعقلها إلا العالمون. وقد تناول هذا الدرس أمثالاً تدور حول ثلاثة أصناف، وهم: أولاً: المعرض عن دين الله. ثانياً: الذي يعلم ولكنه لا يعمل. ثالثاً: من يعلم ويعمل ثم ينتكس ولا يثبت. أهمية الأمثال في الكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم ما أعطيتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا على ما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً وقوة لنا فيما تحب. لقد طَرَأَ في بالي حديث حب الله عز وجل للعبد، وإلقاء الحب والقبول له في أهل السماء، ثم في أهل الأرض، وقد طَرَأَ في بالي معانٍ كثيرة كنت أتمنى أن تكون موضوع هذا الدرس، وهو: كيف ينال العبد محبة الله؟! لأنه ليس مهماً أن تُحِبَّ أنت، ولكن المهم أن تُحَبَّ، فكم من مدعٍ للمحبة لم ينلها، ولم يصل إليها! ولكنني ملزمٌ بالحديث فيما أعلن عنه من عنوان وهو: (من أمثال القرآن) ولعلها تحين إن شاء الله فرصة أخرى فيما بعد للحديث عن أسباب نيل محبة الله عز وجل. أيها الأحبة: الأمثلة وضَرْبُها أسلوب تربويٌ بليغ التأثير، جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضمن الأساليب المؤثِّرة التي تقرب المعاني، وتوضح الأمور، وقد عُنِي بها القرآن، وعُنِيت بها السنة المطهرة، وجاءت الأمثال كثيرة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عدَّ بعض العلماء الأمثال التي وردت في القرآن فقط بثلاثة وأربعين مثلاً، كلها لتقريب المعنى؛ لأن المثال وسيلة إيضاح، والمعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يستخدم وسائل الإيضاح لإيصال المعاني والمعلومات إلى أذهان الطلاب والتلاميذ، والأمثلة أفضل وسيلة توضح المراد والمعنى؛ لأنها نموذج تقرب المعنى إلى الذي يسمع، فيفهم بضرب المثال أكثر مما يفهم بسرد الكلام، ولو اشتمل السرد على أبلغ المعاني، وعلى أعظم الأساليب، إلا أن المثال يفهم سريعاً، ولذا كثرت الأمثال في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ...... بعض أمثال العرب ومقارنتها مع أمثال القرآن أيها الإخوة: كم من الأمثال تدور على ألسنة الناس! ولكن في القرآن وفي السنة ما هو أبلغ وأعمق منها: ...... قول العرب: (القتل أنفى للقتل) من ذلك، قول العرب: (القتل أنفى للقتل) : هذا مثال عربي، معناه: أن إقامة الحدود وقتل القاتل تقضي على القتل. لكن القرآن جاء بعبارة أعظم وأبلغ من هذا المثل، فقال عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179] في القصاص! فهل في الموت حياة؟! كيف يجتمع النقيضان؟ الموت موت، والحياة حياة، فكيف يكون في القصاص حياة؟! نعم. في القصاص حياة، لكنها حياة لمن؟ حياة ليس لمن يُقْتَص منه، بل حياة للمجتمع؛ لأن القاتل حين يعلم أنه إذا قَتَلَ قُتِلَ توقَّفَ وارتدع عن القتل، فيحصُل بتوقفه وامتناعه عن القتل حياة للأنفس الأخرى؛ لكن القاتل الذي يعلم أنه لا يُقْتَل يتمادى في الطغيان، وينتهك، ويسفك الدماء؛ لأنه يعرف أنه لن يحصل له شيء، ولذا يقول الله في القصاص من الجناة حياة لبقية الناس، وصدق الله عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]. قول العرب: (من جهل شيئاً عاداه) قول العرب في بعض الأمثال: (مَن جَهِل شيئاً عاداه) :- هذا مَثَلٌ واقعي، فالذي لا يعرف السلعة لا يقدرها. وكما يقول العوام: (إلِّليْ ما يِعْرِفِ الصَّقْر يَشَوِيْه) يظنه حمامة، وهو صقر لا يؤكل؛ لأنه من ذوات المخلب؛ لكنه لا يعلم هل هذا صقر أم حمامة، فيشويه. وكذلك من يجهل الشيء لا يعرف قيمته، بل ربما يتصدى لمعاداته. ولكن في القرآن الكريم ما هو أبلغ من هذا المثل، وهو قول الله عز وجل: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39] لَمَّا جهلوا دين الله، وجهلوا شريعة الله، وجهلوا حقيقة هذا الدين العظيم، كذَّبوه لعدم إحاطتهم بالعلم به، وإلا لو علموه لما عادَوه، ولهذا إنما تقع الخشية لله عز وجل من العلماء إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] (ومن كان بالله أعْرَف كان منه أخْوَف) ولو أجريت استقراءً لمن تقع منه المعاصي والذنوب والمخالفات تجد أنها تقع من الذين لا يعرفون الله، أما كل من استقرت معرفة الله في قلوبهم فتجد في قلوبهم مثل النار من خشية الله عز وجل. فـ(مَن جَهِل شيئاً عاداه) ولكن القرآن يقول: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39]. قول العرب: (ما تزرع تحصد) من ذلك أيضاً قول العرب: (ما تزرع تحصد): فالذي تزرعه تحصده، والشخص الذي يزرع بُرَّاً ماذا يخرج له؟ بُرٌّ، أليس كذلك؟ والذي يضع بَعَراً، أيخرج له بُرٌّ؟! لا. سينتظر وينتظر، ثم يكشف الطين ويرى البعر؛ إن كان جيداً لقيه، وربما قد تلف، وحتى إنه لن يلقاه، فما تزرع تحصد. لكن المثال في القرآن الكريم جاء ببلاغة أعظم، يقول الله عز وجل: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123]. ويقول عز وجل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل:89-90] شخص يزرع طوال حياته السوء، ويزرع الشر والفساد، ويعمل الإجرام، ويهتك الأعراض، ويسفك الدماء، ويعتدي على الحرمات، ويعاند الجبار، ويترك أوامر الله، ويقع فيما حرم الله، هذا ماذا يلقى؟ هل يتصور أنه يلقى حسنات على هذا الفعل؟! لا؛ لأنه يعمل سوءاً، والذي يعمل السوء يجد السوء، والذي يعمل الحسن يجد الحسن، يقول الله عز جل: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]. ويقول عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ [يونس:26-27] يعمل طوال ليله ونهاره ويكسب، وسَمَّى الله جمع السيئات كسباً، وإلا فهو ليس بكسب؛ لكنه على سبيل التهكم، والشخص الذي يجمع السيئات، كاسب أم خاسر؟! خاسر؛ لكن الله يقول: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ [يونس:27] ماذا يحصل؟! جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا [يونس:27] أم أنه يتوقع صاحب السيئات أنه يجد على السيئة حسنة! هل هذا معقول؟! لا. أبداً. فيقول الله عز وجل: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [النساء:123]. قول العرب: (لا تلد الحية إلا حية) من الأمثال أيضاً في لغة العرب قولهم: (لا تلد الحية إلا الحية): الحية لا يأتي ولدها أو ابنتها إلا مثلها حية، لا تتوقع أن يأتيك شيء لطيف من حية. ولكن القرآن جاء بأبلغ من هذا في قوله تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27] متى قال نوح هذا؟ ما قاله ابتداءً، فنوحٌ مِن أولي العزم، عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، وهو من الخمسة أصحاب الفضيلة والمقام الرفيع، دعا إلى الله مدة قدرها (ألف سنة إلا خمسين عاماً) مارَسَ شتى الأساليب، وأخذ بجميع الأنواع: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً [نوح:5] كان يدعو ليلاً ونهاراً، نحن كم ندعو؟ إذا ألقى أحدنا درساً في الأسبوع قال: والله إني تعبتُ، وإذا جلس مع شخص يتكلم بكلمتين، قال: الحمد لله نحن نعمل لهذا الدين ليلاً ونهاراً: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُـمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً [نوح:5-8] دعوة علنية ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً [نوح:9] دعوة سرية، وبعد هذا العمر الطويل والجهد العظيم يوحي الله إليه ويقول له: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ [هود:36] كم عددهم؟ في أصح الروايات أنهم (اثنا عشر) رجلاً، ثمرة تسعمائة وخمسين سنة، يقول الله: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] آمن معه اثنا عشر رجلاً، مع هذا العمر الطويل والجهد المكثف، والأساليب المتنوعة، لم يستجيبوا ولم يدعُ نوح عليهم؛ لكن لما أوحى الله إليه أنهم لن يؤمنوا، دعا الله عليهم؛ لأنه لا فائدة، ومادام أنه لن يؤمن أحد منهم، فلماذا يبقون؟! فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:26] لماذا؟! قال: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ [نوح:27] أحد احتمالين: الأول: إما أن يضلوا هؤلاء (الاثني عشر) الذين هم عندي الآن؛ لأن تأثيرهم سيكون بليغاً، والكثرة تغلب. الثاني: أنهم إذا لم يضلوا الذين آمنوا؛ فإن أولادهم الذين يأتون منهم فجرة وكفرة: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:27] و(لا تلد الحية إلا الحية) كما تقول العرب، إذاً لا معنى لبقائهم، دمِّرهم يا رب عن بكرة أبيهم فاستجاب الله دعوته. لماذا استجاب الله دعوة نوح؟ لأنه استنفد جميع جهده، فالإنسان لا يعتمد على دعائه لله وينام! لا. بل إن نوحاً عَمِلَ وعَمِلَ وعَمِلَ، وعدَّد، ونوَّع، وبذل كل ما عنده، ولما عرف بواسطة الوحي أنه لن يؤمن أحد، إذاً فما معنى أن يبقوا أحياء وهم لم يؤمنوا، فلابد من التدمير، فدعا الله، وقال: ربِّ إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]. فاستجاب الله له الدعوة، وقـال تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [القمر:11]* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر:12] ليس فقط مكاناً معيناً، بل الأرض كلها تحولت إلى ينابيع وإلى ماء، حتى موقد النار (التنور) الذي يتوقع أن الماء في كل مكان إلا هو ليس فيه ماء بل فيه نار؛ لكن فار التنور، والأرض كلها صارت ماءً فَالْتَقَى الْمَاءُ [القمر:12] ماء السماء على ماء الأرض فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:12] أي: أُحْكِم من قِبَل الرب تبارك وتعالى، وحَمَله الله عز وجل على السفينة ذات الألواح والدُّسُر أي: المسامير تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14] تجري برعاية الله. وقد قال الله تبارك وتعالى: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [المؤمنون:27] أمره الله أن يحمل فيها أهله ومَن آمن معه، فظن نوح عليه السلام أن الأهلية هنا أهلية النسب، فقال لَمَّا رفض ولدُه أن يركب: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45] أنت قلت: يركب أهلي، وهذا ابني أبى أن يركب فلا تغرقه، قال الله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ [هود:46] انظروا القوة في العبارة، لكن الأنبياء يعرفون الله، فنزَّه الله: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ [هود:47] يُنَزِّه الله وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي [هود:47] لا إله إلا الله! يستغفر ويطلب الرحمة من سؤاله لله أن ينجي ابنه، رغم أنه لم يسأل بدافع الأبوة، ولا الحنان، وإنما بدافع الوعد من الملك الديان، أنه من أهله، فظن أنه يركب باعتباره من الأهل. فصحح الله نظرة نوح عليه السلام. وقال: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:46] الأهلية هنا هي: أهلية العقيدة، وأهلية الملة والدين، وما دام كافراً فليس من أهلك. ففي هذا إشارة إلى أن العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض هي علاقة العقيدة بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعد ذلك الروابط الأخرى؛ لكن إذا انتفت علاقة العقيدة فلا علاقة قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22] لا إله إلا الله! مثل المعرض عن دين الله أمثال القرآن -أيها الإخوة كما ذكرتُ لكم- كثيرة، ولا يعقلها -كما قال الله في كتابه- ولا يعلمها ولا يفهمها إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] وفي هذا دعوةٌ لطلاب العلم، وحثٌّ على النظر والتأمل ومعرفة تلك الأمثال، ومعرفة مراد الله منها، حتى يُحْسَب من يتأملها ويعرفها عند الله من العالمين، وفيه إشارة إلى أن مَن لا يعقل أمثال القرآن أنه محسوبٌ في زمرة الجاهلين، وإن كان يحمل شهادة عليا، أو كان في نظر الناس من المثقفين أو من الواعين؛ لكنه لم يعِ أمثال القرآن، فالله ينفي عنه العلم، ويثبت له الجهل، ويعده من زمرة الجاهلين. وقد اخترتُ -أيها الإخوة- في هذا الدرس بعض الأمثال من كتاب الله عز وجل التي تقرب المعاني، وأكتفي بثلاثة أمثال. المثال الأول: مثل مَن يُعرض عن دين الله: يُدعى إلى الله، وتوضح له الطريق التي يسلك بها طريق النجاة، وتوضع له المعالم والأنوار والإضاءات التي تدله على الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، فيَصُمُّ أذنيه، ويعمي عينيه، ويعرض عن طريق الهداية، بل يرفض ويهرب، فهذا ضرب الله عز وجل له مثلاً في كتابه الكريم من أسوأ الأمثلة، وشبهه الله عز وجل بالحُمُر الوحشية، فالحُمُر منها حُمُر أهلية، ومنها حُمُر وحشية، ويجمعها لفظ (الحُمُر) أي: حمير، والأهلية: هي التي تُسْتَخدم، وهي التي تُرْكَب ومعروفة عند الناس، والحُمُر الوحشية من فصيلة الحمير؛ ولكنها غير مستأنِسَة، ولا يألفها الناس ولا تألفهم، وهي متوحشة، تعيش في البراري والقفار، هذه الحمير مِن طبيعتها أنها تعيش في حالة عظيمة من الرهبة والخوف إذا رأت الأسد أو السبع، جميع الحيوانات تخاف من الأسود ومن السباع؛ لكن بعض الحيوانات تملك رباطة جأش، وتملك قوة صراع، وإمكانية دفاع، إلا حمار الوحش، من حين يرى الأسد أو السبع على مسافة بعيدة يهرب هروباً يكاد يموت، ويتكسر ظهره، بل وربما لم يره بعد؛ لكن فقط من مجرد الشم. ويذكر هذا العلماء في كتبهم أنه يفر فراراً عنيفاً، أحياناً يتكسر من كثرة جريه، يحسب أن الأسد قد صار على ظهره، وبينهما مسافة طويلة. فقد شَبَّه الله عز وجل مَن يكره العلماء، ويكره الدعاة، وينفر من مجالس العلم، ولا يحب سماع كلام الله، ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم كالحُمُر، يقول الله عز وجل: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [المدثر:49]؟! سؤال استنكاري! لأي شيء يعرضون عن ذكر الله؟! لأي شيء يتجاهلون داعي الله؟! لماذا؟! أليس يعنيهم؟! وما الذي يعنيهم في الأرض غير هذا؟! إن أول ما ينبغي التركيز عليه في اهتمامات العبد: أن يسأل لماذا وجد؟! ولن يخبره لماذا وجد إلا الذي خلقه، ولم يترك الله الإنسان يسأل، بل أرسل الرسل ليبينوا للناس لماذا خُلِقوا؛ لكن الناس الذين أعرضوا لا يريدون، ولهذا يقول الله: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:49-51] القسورة في لغة العرب: الأسد، والسبع. فهؤلاء في إعراضهم إذا رأوا الداعية، أو العالم، أو مجلس العلم، أو دعاهم أحد إلى شيء يفرون، ومن قبل كانوا يفرون بأقدامهم كما تفر الحمير بأقدامها، والآن يفرون بسياراتهم! لماذا؟! قال: جاء (المطوِّع). (المطوِّع) هذا يطوِّعك، و(المطوِّع): اسم فاعل، أي: يطوِّعك لله، يريدك بدل أن تكون مطوِّعاً للشيطان تكون مطوِّعاً لله؛ لأنك إما أن تكون طائعاً لله، أو طائعاً للشيطان، فهذا يطوِّعك ويجعلك طائعاً، وصفة الطائع صفة كريمة قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69] فلماذا تفر منه؟! إن فرار الإنسان من أهل العلم، وإعراض الإنسان عن الدعاة، ورغبته في غير مجالس الذكر، دليل على أن عقليته عقلية الحمير، وأن مرتبته مرتبة البهائم، بل هو أعظم وأذل وأخس، يقول الله تبارك وتعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] لماذا أضل سبيلاً؟ لأن الأنعام سارت فيما سخرها الله عز وجل وخلقها من أجله، أما هؤلاء فهم أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنهم لم يسيروا في الطريق الذي رسمه الله لهم، ولا حققوا الغرض والهدف الذي من أجله خلقهم الله عز وجل. ...... الإعراض أحد أنواع الكفر أيها الإخوة: الإعراض عن الدين قضية صعبة في حياة الإنسان، بل عده العلماء والمحققون من أهل السنة والجماعة ضمن أنواع الكفر الخمسة، الكفر هو: الجحود، وقد قسمه العلماء إلى خمسة أقسام: القسم الأول: كفر التكذيب. القسم الثاني: كفر الشك. القسم الثالث: كفر الجحود. القسم الرابع: كفر الإباء والاستكبار. القسم الخامس: كفر الإعراض. وقالوا عن كفر الإعراض هو: أن يعرض عن الدين، فلا يتعلمه، ولا يهمه أمره، معرض، قد يصل به إعراضه ورفضه إلى أن يكفر بالله وهو لا يشعر، والله عز وجل سماه: ظالماً، بل لا أظلم منه! بصيغة أفعل التفضيل: وَمَنْ أَظْلَمُ [الكهف:57] أي: لا أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الكهف:57] أَكِنَّة أي: أغطية، مغطاة أَنْ يَفْقَهُوهُ [الكهف:57] أي: لئلا يفقهوا دين الله وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً [الكهف:57] أي: مخرومة لا تسمع وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:57]. وقال عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22]. لا أظْلَم ممن يُذَكَّر بالله ويعرض، هذا نوع من الاستخفاف، وعدم الاهتمام، كيف تعرض عن الله؟! لو قام المذكر وقال: أيها الناس! أنا سألقي عليكم موعظة؛ والذي يجلس إلى آخرها سوف أعطيه (مائة ريال) هل سيقوم أحد؟! لا. بل الكل سيزحف ويقرب من أجل أن يصل إلى الصف الأول ليستلم (المائة) ولن يقوم أحد، حتى ولو كان عنده عمل فإنه يقول: أقضيه فيما بعد، والذي ولده بجانبه يريد أن يقوم فإنه يجلسه، وإذا قال له: أريد أن أقوم، فإنه يقول له: لا. اجلس إنها (مائة ريال). لكنك إذا أقبلت على الله وجلست في بيوت الله أتأتيك (مائة ريال)؟! لا. ما يأتيك شيء من هذا، بل تأتيك رحمة، ويأتيك غفران، وذكر عند الرحمن، هل هناك أعظم من أن يذكرك الله فيمن عنده؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل يوجد أعظم من هذه الأربع في الدنيا؛ أن تغشاك الرحمة، وأن تنزل على قلبك السكينة، وأن يباهي بك الله عند الملائكة، وأن تحفك الملائكة؟! لا يوجد أعظم من هذا؛ لكن من الذي يشعر بهذا؟! الذي قلبه حي. أما المعرض فلا يحس، لماذا يعرض أصلاً؟! لأنه لا يهمه، (مَن جَهِل شيئاً عاداه) لا يعرف بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ [يونس:39] فلما كذبوا بهذا أعرضوا عنه، يقول الله: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55]. فهؤلاء إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر:50] لا يريدونه؛ لأنهم يعيشون بعقلية الحمير، التي لا يهمها إلا الشهوات، فلو أتيت تذكِّر قطيعاً من الحمير وقمت تقرأ القرآن، ما رأيك؟! أيسمع الحمار أم يمشي؟! الحمار لا يعقل، ولا يدري مَن تُذَكِّر، وإذا رأى أنثى رفعَ مسامِعَه وجرى وراءها، وكذلك إذا رأى علفاً همه العَلَف والشهواتٌ؛ لكنه لا يستمع إلى الذكر، فما الفرق بين الحمار البشري المُعْرِض عن ذكر الله، وبين الحيوان الذي لا يسمع ذكر الله؟! لا شيء، بل ذاك أضل؛ لأنه يعرف ويُعْرِض، أما هذا فلا يعقل. صور الإعراض عن ذكر الله أيها الإخوة: الإعراض عن ذكر الله له صور: إعراض مكاني: بحيث لا يجلس في مكان الذكر. إعراض قلبي: بحيث يكره الذكر، حتى ولو جلس فهو -أيضاً- كاره، كأنه في سجن، أو قفص، مثل الطير يريد أن يطير، يريد أن ينفك. إعراض عملي. إعراض دَعَوي. إعراض شعوري. كل هذه تسمى إعراضاً عن الله، وعن ذكر الله، وعن دين الله وفي الحديث المتفق عليه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) وهذه هي النتيجة الحتمية؛ أن تعرض عن الله، وماذا تريد إذا أعرضت عن الله؟! أيتوجه الله إليك؟! لا. يقول الله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] يقول: انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [التوبة:127] لكن أقْبِلْ على الله؛ فإن الله عز وجل يُقْبِل عليك يقول تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا [محمد:17] ماذا يصير لهم؟! زَادَهُمْ هُدىً [محمد:17] جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم) .. (ومَن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن تقرب إلى الله ذراعاً تقرب الله إليه باعاً، ومن أتى إلى الله مشياً أتى الله إليه هرولة، وكان الله إليه بكل خير أسرع). إذاً: حتى تكون أهلاً لمحبة الله، ولرحمة الله، ولتوفيقه، أَقْبِل على الله، أما أن تعرض وتدبر وتستهتر ولا يهمك أمر الله هذه ليست عقليات أهل الإيمان، إنها عقليات البهائم، وبالتالي تكون مصيبة من أعرض عن دين الله عز وجل صعبة جداً، وهذا المثال ضربه الله عز وجل للذين يعرضون عن ذكر الله، يقول الله عز وجل وهو يوصي النبي صلى الله عليه وسلم في ألا يطيع هؤلاء، هذه النوعية منكوسة الفطر، عندها خلل في التصورات، يقول عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف:28] من أغْفَلَ اللهُ قلبَه عن ذكره، وترك الدين، وأعرض عنه فاحذر منه؛ لأن أمرَهُ فُرُطٌ، أمرُهُ ليس ملموماً ولا مجموعاً، بل انفرطت عليه جميع أموره فغفل عن الله وعن دين الله عز وجل. هذا هو المثال الأول الذي ضربه الله عز وجل للمعرضين عن دين الله عز وجل، وفي هذا تنبيه لكل عاقل ألا يعرض مهما كان الأمر، هذا خير ساقه الله لك، بل أقبل وابحث عن الذكر. أهمية الذكر وعاقبة المعرضين عنه إن ذكر الله حياة للقلوب يقول الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وهذا الدين كله ذكر، والرسول صلى الله عليه وسلم كانت وظيفته الأولى التذكير، يقول الله: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] والمؤمن ينتفع بالذكرى، يقول الله: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] لا تنفع الناس أجمعين، وإنما تنفع طائفة من الناس هم أهل الإيمان-جعلنا الله وإياكم منهم- وجميع الشعائر والعبادات التي شرعها الله هي من أجل ذكره، فإنك تصلي لتذكر الله، يقول الله: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] تصلي لذكر الله، الحج لذكر الله، الصيام لذكر الله، وجميع الشعائر من أجل ذكر الله. بل شرع الله عز وجل في يوم الجمعة وهو يوم الذكر، ويوم عيد المسلم، ويوم العبادة، ويوم التفرغ من كل الأعمال من أجل الذكر والشكر، شرع الله لنا في هذا اليوم أن نقرأ سُوَراً معينة نص فيها على الذكر، فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة والإنسان؛ لأن في سورة السجدة قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22]. وفي سورة الإنسان قول الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ [الإنسان:29] إن هذا الدين ذكرى فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً [الإنسان:29]. وشرع للخطيب يوم الجمعة أن يقرأ سورة (ق) في الخطبة، تقول أم عطية في الحديث الصحيح : (ما حفظت سورة ق إلا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ بها في الخطبة) وهذه سنة تكاد تكون ميتة، ولا أحد يأتي بها من الخطباء إلا القليل، كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة ق فقط، يقسمها في الخطبتين وينزل، وكفى بها واعظة، لأنها اشتملت على كل أمر العقائد، الخَلْق، والبَدْء، والمعاد، والحشر، والحساب، وعذاب النار، ونعيم الجنة، ولأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق:45]. وشرع الله للناس -أيضاً- أن يقرءوا سورة الكهف -والحديث بِمجموع طرقه ورواياته يصل إلى درجة المقبول، فيُعْمَل به عند أهل العلم- وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء الله له ما بين الجمعتين) لماذا؟ لأن فيها قول الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:57]. وشرع للإمام في صلاة الجمعة أن يقرأ بسورة الأعلى والغاشية. أما سورة الغاشية؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21]. وأما سورة الأعلى؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى [الأعلى:9-10]. أيها الإخوة: الذكرى والعمل بهذا الدين وتذكر أمر الله، وتذكر شريعة الله، وعذاب الله ونعيمه، وعظمته، كل هذا مطلوب، ولا يأتي إلا حينما تسمع من العلماء، وتجلس في مجالسهم، وتقرأ كتب العلم، وتشتري شريط أهل العلم، لماذا؟ حتى تتذكر؛ لكنك حينما تعرض عن الشريط فلا تسمعه، وتعرض عن إذاعة القرآن فلا تسمعها، وتعرض عن الكتاب الإسلامي فلا تقتنيه، وتعرض عن الصحيفة الإسلامية فلا تشتريها، وعن المجلة الإسلامية فلا تقرأها، وعن حلق العلم فلا تحضرها، وإذا أتى يوم الجمعة فإن أكثر المعرضين لا يشهدون خطبة الجمعة، ينام إلى أن يعرف أن الخطبة قد انتهت، فإذا علم أن الخطبة قد انتهت، قام وصلى ركعتين ومشى، فمِن أين تأتيه الذكرى؟! من أي مجال؟! وقد سد جميع الطرق النافذة إلى قلبه. إن الإسلام يجعل للمسلمين وجبة أسبوعية ممثلة بخطبة الجمعة، ويؤكد على ضرورة الإنصات والاستماع، حتى إنك إذا مسست الحصى والإمام يخطب فقد لغوت، ومَن لَغَا فلا جمعة له، لماذا هذا التأكيد؟ لكي تسمع، ولكي يبلغ الخطيب دين الله؛ لكنّ المصلين لا يأتون إلا بعد الخطبة أو عندما تنتهي، ومما يؤسف له أن في معظم المساجد يبدأ الخطيب والمسجد ليس فيه إلا صف أو صفان، ثم يأتون والإمام يخطب إلى أن يُنْهِي الخطبة والناس ما زالوا آتين! فهذا إعراض، وعدم رغبة، و-والعياذ بالله- وهذه صفة المنافقين الذين يقول الله فيهم: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142] ليست لله يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] والعياذ بالله! مثل من يعلم ولا يعمل المثال الثاني: مثال لمن يسمع ولا يعرض، يسمع ما شاء الله، ويشتري الشريط، ويسمع الكلام- ولكنه لا يعمل؛ لأن ثمرة السماع هي العمل، نحن لا نريد من الناس أن يسمعوا لمجرد قضاء الأوقات ولمجرد المتعة والتعليقات، وفلان والله ما شاء الله خطيب، وفلان يقول كلاماً وكلاماً! لا. ليس هذا هو الغرض، وإنما الغرض الحقيقي من وراء الدعوة، ومن وراء الذكر، حلق العلم، ومن وراء كل هذا أن نحمل الأمة على العمل بالعلم، فإذا سمعت ولم تعمل فكأنك لم تعمل شيئاً، علم بلا عمل كشجر بلا ثمر، ما رأيك في شجرة في فناء منزلك من أشجار الزينة، ما شاء الله طيبة؛ لكنها ليست مثمرة، وأنت تموت جوعاً، ماذا تعمل بها؟ لا تنفعك بشيء، فهي شجرة خضراء؛ لكن ليس فيها ثمر. كذلك من الناس من عنده علم لكن ليس عنده ثمرة، وليس عنده عمل، ولهذا مصيبة الأمة اليوم -أيها الإخوة- ليست في عدم العلم، بل مصيبتها في عدم العمل، وإلا فإن العلم يقدَّم من أول مرحلة دراسية، من السنة الأولى والولد يُعَلَّم: مَن ربك؟! ما دينك؟! مَن نبيك؟! وفي السنة الثانية يُعَلَّم: الأصول الثلاثة، وفي السنة الثالثة يُعَلَّم: المسائل الأربع، وفي السنة الرابعة يُعَلَّم: التوحيد وأنواعه، وفي السنة الخامسة ما بعدها من المسائل، فلا ينجح إلى السنة السادسة إلا وهو -ما شاء الله- قد عرف دروس العقيدة كاملة، وأساسياتها، وعرف الفقه، وأساسياته، وعرف الحديث الأربعين حديثاً النووية وعرف التفسير في المتوسط وفي الثانوي؛ لكن أين العمل؟! لأنه أُخِذَ بنية غير نية العمل فلم يُعْمَل به، النية من العلم الشهادة، فإذا أُخِذَت الشهادة نُسِيَ العلم، يحفظ هذه النصوص الميتة في نظره، إلى أن تأتي ورقة الامتحان ويتقيأ بها على الورقة، واسأله عنها بعد أسبوع تجده لا يعرف كلمة، انتهى غرضه منها، فهو حفظها ووضعها في الورقة؛ لكي يأخذ ورقة زور، شهادة، اسمها شهادة زور، ما دام لا يَعْمَل بما فيها. ...... تشبيه الله لمن يعلم ولا يعمل بالحمار إن الذي يعلم ولا يعمل ضرب الله له مثلاً من أسوأ الأمثلة، مثل الذي قبله، قال الله عز وجل -والحكاية عن اليهود؛ ولكنها تعم كل من سار على شاكلتهم-: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ [الجمعة:5] الذي عنده علم ولا يعمل به مثله في كتاب الله كمثل حمار حَمَّلْتَه أسفار العلم، حَمَّلْتَه فتح الباري ، و صحيح البخاري ، و تفسير ابن كثير ، وتنتقل من مكان إلى مكان، وتعال عنده واسأله: ماذا قال البخاري يا حمار! ماذا يقول لك؟! يقول: هات عَلَفاً -بلسان حاله- يقول: عندك علف ائت به، فلا يهمه إلا العلف، فلا يعرف ما الذي فوق ظهره. فهذا الذي عنده علم لكنه لم يعمل به، ما الفرق بينه وبين هذا الحمار؟! لا شيء، ولذا فإن هذا مثل واضح مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الجمعة:5] وهذا التذييل في الآية مناسب لمعناها، فإن هذا الظالم لنفسه الذي حمل العلم ولم يعمل به جعل بهذا الظلم عَقَبَة وسداً بينه وبين الهداية، فلا يهديه الله، كيف يهديه الله وقد أصبح العلم عنده؟! كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ العلم معه؛ لكنه ليس مستعداً أن يعمل به، إذاً كيف يهديه الله؟! ما دام أنه هو نفسه رافض أن يهتدي، وهذه مصيبة المصائب. جزاء من طلب العلم لغير الله أيها الإخوة: إن على طالب العلم أن يأخذ العلم بنية العمل، وبنية القربى إلى الله، والنجاة من عذاب الله، وبنية أن يعبد الله بهذا العلم، وإلا فإن (مَن طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليجاري به العلماء، أو ليبتغي به عرضاً من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة) -نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء- ليماري به السفهاء، ليجاري به العلماء، ليبتغي به عرضاً من الدنيا، يريد وظيفة فقط، لم يرح رائحة الجنة، أي: يلقى هذه؛ لكن ليس له هناك شيء؛ لأنه لم يعمل من أجل الجنة، ولم يطلب العلم من أجل الجنة، بل طلب العلم من أجل أن يأخذ شهادة فأخذ الشهادة وانتهى الأمر؛ لكنه لو طلب العلم من أجل الله، ومن أجل أن يعرف طريق الله، ولكي يعبد الله على بصيرة وعلى نور، فقرأ كتاب الله، وقرأ سنة رسول الله، ولم يُباهِ، ولم يُجارِ، ولم يُمارِ، ولم يستعلِ، ولم يتكبر، وإنما تواضع، وهذا شأن علماء السلف رحمهم الله، كانوا قمماً في العلم، ومع هذا فهم متواضعون إلى أبعد درجات التواضع، وبعض الناس تجده صفراً في العلم؛ ولكنه مغرور، يظن أنه على شيء، وهو ليس على شيء، وإن علم فإنما يعلم نصوصاً فقط، وهذه النصوص ليست هي العلم، العلم هو العمل، والخشية، والخوف، العلم الرغبة فيما عند الله، أما أن تكون عالماً ولا تخاف الله، عالماً وتجترئ على حدود الله، عالماً وتضيع أوامر الله؟! فلا. جاءني أحد الإخوة يوماً من الأيام وأنا في أبها ، وكان مؤذناً في أحد المساجد، وهو رجلٌ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب؛ لكنه يخاف الله، عنده في قلبه خوف من الله، جاءني وهو يشتعل غضباً، قال: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟! قلت: نعم. ماذا هناك؟! قال: أنا مؤذن المسجد الفلاني، وحول المسجد عمارة فيها أربع شقق، يسكنها أربعة (دكاترة) يقول: منذ أن سكنوا إلى الآن لم يدخلوا المسجد، يقول: وكنتُ أتصور عندما أسمع مَن يقول: يا (دكتور)! كنتُ أحسب أنهم (دكاترة) في (المستشفى)، فقلت: هذا ليس غريباً؛ لكني الآن علمتُ أنهم (دكاترة) في كلية الشريعة، يقول: من حين سكنوا إلى نصف السنة ما دخلوا المسجد، أحدهم يدرس تفسيراً، والثاني يدرس الفقه المقارن، والثالث يدرس الأصول، والرابع يدرس اللغة العربية، (دكاترة) يدرسون القضاة ويخرِّجون القضاة؛ لكنهم لا يصلون في المسجد، إذاًَ: فما قيمة العلم عند هؤلاء؟! كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5] هذا المثل لا يحتاج توضيحاً. العلم: العمل، والعلم: الخشية، يقول الشاعر: إذا لم تستفد بالعلم هديـاً فليتك ثم ليتك ما علمتا العلم يرفعك إلى الله، ويقربك إلى طاعة الله؛ لكنك إذا كنت تتعلم وتزداد ضلالاً وبُعداً عن الله، فإن هذا مصيبة، والعياذ بالله! فهذا المثال الثاني للذين يتعلمون ولا يعملون، وهذا المثال سيئ، كمثل الحمار، والحمار -والعياذ بالله- من الحيوانات التي تضرب بها الأمثال في البلادة والجهل، و-أيضاً- فيه خصلة ذميمة وهي نكارة الصوت، يقول الله عز وجل: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:19] وفعلاً أي صوت من البهائم تسمعه لا تشمئز منه؛ لكن دع حماراً ينهق بجانبك، يكاد يفجر أذنك، ثم إنه صوت قبيح وخبيث، فكذلك من يحمل العلم ولا يعمل به مثل الحمار، وإذا تكلم فمثل نهيق الحمار، يضرب به المثل في كراهية الصوت، والعياذ بالله! وأيضاً يضرب به المثل في الجهل، إذا رأوا جاهلاً قالوا: أجهل من حمار أهله. ويقال في المثل العربي: ( أخزى الله الحمار، مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى ) الذي عنده حمار، لا هو يُذَكَّى إذا مات، ولا عليه زكاة، فلا مصلحة منه لا في حياته ولا في موته، ويقولون: أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى -تُدْفَع عليه زكاة- ولا يُذَكَّى -فيؤكل- وإنما ليس منه مصلحة، لكنه يزكى في حالة واحدة وهي: إذا كان عرضاً من عروض التجارة، إذا كان هناك شخص يتاجر في الحمير فإن عليه إخراج زكاتها؛ لأن عروض التجارة كلها تشملها الزكاة، لكن لو لم يكن لديه تجارة وإنما يهوى جمع الحمير، وعنده (مائة) حمار فليس فيها زكاة، فيقولون: ( أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى ). وأيضاً يقال فيه: إنه من ضلاله عنده قياس؛ لكنه يستعمل القياس بطريق الجهل، ولذا إذا رفعت يدك لضربه يخفض برأسه، يحسب أن يدك سوطاً، يقيس كل شيء عنده بالسوط؛ لأنه يخاف من العصا، ويخاف من الضرب، فأي شيء ترفعه، فإنه يظن أنه سوط لضلاله وجهله. فما ضرب الله عز وجل بهذا المثل لمن لا يعمل إلا على سبيل التبكيت، وعلى سبيل التشنيع والتنفير، حتى لا يصير الإنسان مثل الحمار، حينما يكون له علم ولا يعمل به. مثل من يعلم ويعمل لكنه لا يثبت المثال الثالث وهو يأتي ثمرة للثاني: مَن عَلِم وعَمِل؛ لكنه لا ثبَت: ...... تشبيه الله للذين لا يثبتون على الدين بالكلب لقد تَعَلَّم العلم، ثم استجاب للعلم بالعمل وسار في العمل؛ لكنه سار في العمل فترة ثم انتكس، وترك دين الله، هذا ضرب الله له مثلاً من أبشع ومن أسوأ الأمثلة، وهو مثل الكلب -والعياذ بالله- الذي لا يثبت على الدين ولا يستمر عليه إلى أن يموت، هذا لا ينتفع منه؛ لأن العبرة دائماً بالخواتيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله ويقول: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة). والعبرة دائماً في حياتك أنت بما تختم به حياتك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام والحديث في السنن : (إذا أحب الله عبداً استعمله، قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟! قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه) يوفقك لعمل صالح تستمر عليه ثم تموت وأنت عليه، فلهذا يحبك الله؛ لكن توفق لعمل صالح ثم تتركه وتنتكس وتموت على غير العمل الصالح فلا عبرة بما عملت، فلو صليت العشاء أربع ركعات إلى ما قبل السلام بلحظة، ثم انتقض وضوؤك فالصلاة باطلة، رغم أنك صليت أربع ركعات سليمة وليس فيها شيء؛ لكنك ما أكملتها، ولو ما أكملت دقيقة واحدة، بطلت صلاتك. ولو صمت في رمضان من الفجر إلى قبل غروب الشمس بدقائق ثم أفطرت، فصيامك باطل، بالرغم من أنك صائم (اثنتي عشرة) ساعة؛ لكنك ما أكملت، وكذلك مَن عَبَدَ الله طوال حياته، ثم ترك في آخر لحظة من حياته خُتِمَ له بالنار، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) وفي هذا الحديث حث للأمة على أن تتشبث وتتمسك بالعمل الصالح إلى أن تموت، لا تقل: لا والله سأعمل هذه ثم أتوب، فربما لن تتوب، ربما تموت عليها، وليس في هذا مفهوم للسذج والبسطاء الذين يقولون: ما دام أنها هكذا، أنا سوف أعمل بعمل أهل النار، وإذا لم يكن بيني وبين الجنة إلا ذراعاً عملت عمل أهل الجنة! يريد أن يضحك على الله، فلا يصلح هذا، ولا ينفع. أيها الإخوة: الذين ينتكسون ولا يثبتون على دين الله حتى الممات، هؤلاء ضرب الله لهم بمثال سيئ في كتابه الكريم، وهو قوله تبارك وتعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176] هذه الآية وإن كانت نزلت في رجل من بني إسرائيل اسمه بلعام بن باعوراء ، إلا أنه كما يقول المحققون من أهل العلم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا ويقول: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175] أخبر أمتك يا محمد! بنبأ ذلك الرجل الذي آتيناه آياتنا؛ آتيناه العلم، وآتيناه الآيات والدلالات الواضحات على عظمة الله، فبدل أن يعمل بها ويستمر عليها انسلخ منها، والانسلاخ عن الشيء هو: تركه مع عدم الرغبة في العودة إليه، إنك إذا خلعت ثوبك تخلعه من أجل أن يُنَظَّف وتلبسه مرة أخرى، ولذا إذا خلعته ماذا تقول؟ تقول: أنا فَسَخْتُ ثوبي أو خَلَعْتُ ثوبي، ولا تقول: سَلَخْتُ ثوبي، لكن إذا سَلَخْتَ جلد الشاة ماذا تقول؟ تقول: خَلَعْتُ جلدها؟ أو فَسَخْتُ جلدها، أو سَلَخْتُ جلدها؟! سَلَخْتُ جلدها، لماذا؟ لأنه لن يعود جلدها عليها، هل حصل أن عاد جلد شاة عليها؟ أبداً مستحيل! وكذلك هذا الرجل لما انسلخ من الدين انسلخ بنية ألا يعود إليه، قال عز وجل: فَانْسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175] فماذا حصل لما انسلخ؟ قال عز وجل: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175] حين كان يعمل بآيات الله كان في حرز، ولم يكن للشيطان عليه سلطان، وما كان الشيطان يستطيع عليه؛ لأنه محفوظ بآيات الله، محفوظ بدين الله؛ لكن بمجرد أن تخلى عن حرزه، وترك حصنه، وانسلخ عن آيات ربه، تسلط عليه الشيطان، وهذا معنى قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل:99-100]. فإذا أردت أن تبقى في حصن حصين، وفي منعة من الشيطان الرجيم فاعمل بطاعة الله، إذ لا سلطان للشيطان على من أطاع الله، يقول الله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:42] فسلطان الشيطان على من اتبعه؛ لكن من يتبع الله ويعبد الله لا سلطان للشيطان عليه، ولهذا حينما لعنه الله وطرده وقال له: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [الأعراف:12-18] أنت والذي وراءك في جهنم: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [الأعراف:19] إلى آخر الموضوع الأصلي : من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف | ||||||||||||||||||||||||||||||
الأربعاء 09 مايو 2012, 9:52 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر قال الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] الموضوع الأصلي : من أمثال القرآن للشيخ سعد بن مسفر // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: ابنة الاسلام | ||||||||||||||||||||||||||||||
الإشارات المرجعية |
الــرد الســـريـع | |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
| |
|
|