!~ آخـر 10 مواضيع ~! | ||||
| ||||
إضغط علي او لمشاركة اصدقائك! |
شاطر |
الجمعة 18 نوفمبر 2011, 4:04 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم . أما بعد : فإن الدعوة إلى الله تعالى سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل من أتبعه . قال تعالى :{{ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحن الله وما أنا من المشركين }} ( يوسف : 108) . فكل مسلم ومسلمة لا بد له من دور في الدعوة إلى الله عز وجل حتى ولو كان وحده لكان عليه أن يدعو نفسه إلى الله ويأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر فكيف إذا كان في مجتمع مليء بالفتن والمنكرات وفي عالم يموج بالكفر والنفاق والفسوق والعصيان ، إنه لا بد أن يكون إيجابياً في إصلاح هذا الواقع ليس متفرجاً لا دخل له بالقضية ولا دور له إلا مجرد الأماني ، وكثير من الناس قد لا تتيسر له المشاركة في مخاطبة جماعات الناس من خلال الخطبة والدرس ، كما أن الخطبة والدرس أحد صور الدعوة وليست هي الصورة الوحيدة بل إن غيرها ربما كان الأكثر تأثيراً في الناس والناظر في دعوة الأنبياء يجد أن خاصة أصحابهم إنما استجابوا لهم بالحوار المباشر والدعوة الفردية قبل أن تبدأ الخطب وحلقات العلم العامة . وكثيراً ما تكون هناك عقبات أمام وسائل معينة للدعوة ، وقد يعجز الدعاة أحياناً عن الخطبة والدرس ، فهل يصح أن تتوقف الدعوة إلى الله إذا ما وجدت هذه العقبات ؟ بالقطع لا ، فإن سنن الله في الخلق تقتضي وجود هذه العقبات والموانع ولا بد أن تستمر الدعوة إليه مع وجودها كما فعل الأنبياء . فإن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قد صارت في هذا العصر فرضاً على الأعيان في أغلب الأحيان : وذلك لتكاتف الباطل في الصد عن سبيل الله بطرق ووسائل شتى ، الأمر الذي يتطلب أيضاً من جماعة المؤمنين الصادقين التكاتف والتعاون لمواجهة هذا الصد بطرق ووسائل شتى في حدود هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : {{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ... }} ( المائدة : 2 ) . فيقف كل مؤمن على ثغرة من ثغور الإسلام ليسدها ويحميها ، فينفي عنها شبه المبطلين وفساد المفسدين ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والرفق واللين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً . قال تعالى : {{ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }} ( النحل : 125 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : e] من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان مسلم ) . [color=green]وليصبر ، وليصابر . قال تعالى : {{ ولربك فاصبر }} ( المدثر : 7 ) ، وليتوكل على الله وليحتسب عنده الأجر . قال تعالى : {{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا }} ( الطلاق : 3 ) . وقال تعالى : {{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ... }} ( الكهف : 30 ) . والقيام بالدعوة هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول : [[ بلغوا عني ولو آية ... ]] الحديث : ( أخرجه البخاري ) . وقال أيضاً : wn]من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ]] ( رواه مسلم ) . وقال أيضاً : ue]ما من نبي ، بعثه الله في أمة قبلي إلا كان من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يأمرو ، فمن جاهدهم بيده فهم مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ]] ( رواه مسلم ) . والقيام بالدعوة إلى الله تعالى هو : من سبيل النجاة من عذاب الله ، قال تعالى عن أصحاب السبت وكيف أنهم قد انقسموا ثلاث طوائف : طائفة منهم اعتدت في السبت ، وطائفة ثانية لم تعتد ولكنها قالت : {{ .. لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً .. }} الآية ( الأعراف : 164 ) . والطائفة الثالثة : قامت بواجب الأمر والنهي فقالوا : {{ معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون }} ( الأعراف : 164 ) . فكانت النتيجة : {{ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون <165> فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين }} ( الأعراف : 165 - 166 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ue]إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ]] ( صححه الألباني ) . ويناديك الإمام ابن الجوزي رحمه الله فيقول :<< ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه ، فهي حالات الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أما علمت أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد ، لعلمهم ، ذلك آثر عند حبيبهم >> . << وهل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق وحثهم على الخير ، ونهيهم عن الشر ؟ >> . ...وهكذا شأن الدعوة دوماً ، وعلى الداعية اليوم أن يكون رحالة ، سائحاً في محلات مدينته ، ومدن قطرة يبلغ دعوة الإسلام . وهذا شأن الدعوة التي تريد أن تصل إلى أهدافها ، لا بد من تحرك ومبادأة ، وغدو ورواح ، وتكلم ، ليس القعود والتمني من الطرق الموصلة ، فافقه سيرة سلفك وقلدهم تصل ، وإلا فروح في مكانك ، فإنك لن تبرحه !! ... الداعية يفتش عن الناس ، ويبحث عنهم ، ويسأل عن أخبارهم ويرحل للقائهم ، ويزورهم في مجالسهم ومنتدياتهم ، ومن انتظر مجيء الناس إليه في مسجده أو بيته ، فإن الأيام تبقيه وحيدا ً ! الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف | ||||||||||||||||||||||||||||||
السبت 19 نوفمبر 2011, 7:45 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ما شاء الله .. لا قوة إلا بالله موضوع رااائع ومهم جعله الرحمن في ميزان حسناتك وجزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم وأحسن المولى إليكم وأثابكم الفردوس الأعلى وأجاركم من الناار الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: عاشقة الاسلام | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
السبت 19 نوفمبر 2011, 9:03 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف | ||||||||||||||||||||||||||||||
الثلاثاء 14 فبراير 2012, 12:21 am | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني بسم الله الرحمن الرحيم ===== سُئِلَ شيخ الإسلام رحمهُ الله عن قوله تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وهل الدعوة عامة تتعين في حق كل مسلم ومسلمة أم لا؟ وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في هذه الدعوة أم لا؟ وإذا كانا داخلين أو لم يكونا، فهل هما من الواجبات على كل فرد من أفراد المسلمين كما تقدم أم لا؟ وإذا كانا واجبين، فهل يجبان مطلقاً مع وجود المشقة بسببهما أم لا ؟ وهل للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقتص من الجاني عليه إذا آذاه في ذلك لئلا يؤدي إلى طمع منه في جانب الحق أم لا؟ وإذا كان له ذلك فهل تركه أولي مطلقاً أم لا ؟ فأجاب رضي اللّه عنه وأرضاه : الحمد لله رب العالمين، الدعوة إلى اللّه هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله ، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه. فإن هذه الدرجات الثلاث التي هي: الإسلام، والإيمان، والإحسان، داخلة في الدين، كما قال في الحديث الصحيح "هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم"، بعد أن أجابه عن هذه الثلاث، فبين أنها كلها من ديننا. و(الدين): مصدر، والمصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول، يقال: دان فلان فلانًا إذا عبده وأطاعه، كما يقال: دانه إذا أذله. فالعبد يدين الله، أي: يعبده ويطيعه، فإذا أضيف الدين إلى العبد فلأنه العابد المطيع، وإذا أضيف إلى الله فلأنه المعبود المطاع، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال: 39]. فالدعوة إلى الله تكون بدعوة العبد إلى دينه، وأصل ذلك عبادته وحده لا شريك له، كما بعث الله بذلك رسله،وأنزل به كتبه. قال تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه}ِِ[الشوري:13]، وقال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:36]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]. وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، الأنبياء إخوة لعَلاتٍ، وإن أولي الناس بابن مريم لأنا، إنه ليس بيني وبينه نبي" [والإخوة لعلات: هم الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، والمراد هنا: أن إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة] ، فالدين واحد وإنما تنوعت شرائعهم ومناهجهم، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]. فالرسل متفقون في الدين الجامع للأصول الاعتقادية والعملية، فالاعتقادية كالإيمان بالله وبرسله وباليوم الآخر، والعملية كالأعمال العامة المذكورة في الأنعام والأعراف، وسورة بني إسرائيل، كقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى آخر الآيات الثلاث [الأنعام: 151 - 153]، وقوله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} إلى آخر الوصايا [الإسراء:23- 39]، وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29]، وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. فهذه الأمور هي من الدين الذي اتفقت عليه الشرائع، كعامة ما في السور المكية، فإن السور المكية تضمنت الأصول التي اتفقت عليها رسل الله، إذ كان الخطاب فيها يتضمن الدعوة لمن لا يقر بأصل الرسالة، وأما السور المدنية ففيها الخطاب لمن يقر بأصل الرسالة، كأهل الكتاب الذين آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وكالمؤمنين الذين آمنوا بكتب الله ورسله؛ ولهذا قرر فيها الشرائع التي أكمل الله بها الدين؛ كالقبلة، والحج، والصيام، والاعتكاف، والجهاد، وأحكام المناكح ونحوها، وأحكام الأموال بالعدل كالبيع، والإحسان كالصدقة، والظلم كالربا، وغير ذلك مما هو من تمام الدين. ولهذا كان الخطاب في السور المكية:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} لعموم الدعوة إلى الأصول؛ إذ لا يدعي إلى الفرع من لا يقر بالأصل ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعز بها أهل الإيمان، وكان بها أهل الكتاب ، خُوطِبَ هؤلاء وهؤلاء؛ فهؤلاء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وهؤلاء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} ، أو {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} ولم ينزل بمكة شيء من هذا، ولكن في السور المدنية خطاب: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، كما في سورة النساء، وسورة الحج وهما مدنيتان، وكذا في البقرة. وهذا يعَكِّر على قول الحَبْرِ ابن عباس؛لأن الحكم المذكور يشمل جنس الناس،والدعوة بالاسم الخاص لا تنافي الدعوة بالاسم العام ، فالمؤمنون داخلون في الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وفي الخطاب بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، فالدعوة إلى الله تتضمن الأمر بكل ما أمر الله به،والنهي عن كل ما نهي الله عنه،وهذا هو الأمر بكل معروف،والنهي عن كل منكر. والرسول صلى الله عليه وسلم قام بهذه الدعوة، فإنه أمر الخلق بكل ما أمر الله به، ونهاهم عن كل ما نهي الله عنه، أمر بكل معروف، ونهي عن كل منكر. قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 156-157]. ودعوته إلى الله هي بإذنه لم يشرع دينًا لم يأذن به الله، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب:45- 46]، خلاف الذين ذمهم في قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشوري:21]، وقد قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس:59]. ومما يبين ما ذكرناه:أنه سبحانه يذكر أنه أمره بالدعوة إلى الله تارة، وتارة بالدعوة إلى سبيله، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وذلك أنه قد علم أن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر لابد فيما يدعو إليه من أمرين: أحدهما: المقصود المراد. والثاني : الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود؛ فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله؛ فإنه سبحانه هو المعبود المراد المقصود بالدعوة. والعبادة: اسم يجمع غاية الحب له، وغاية الذل له، فمن ذل لغيره مع بغضه لم يكن عابدًا، ومن أحبه من غير ذل له لم يكن عابدًا، والله سبحانه يستحق أن يحَب غاية المحبة، بل يكون هو المحبوب المطلق، الذي لا يحب شيء إلا له، وأن يعظم ويذل له غاية الذل، بل لا يذل لشيء إلا من أجله، ومن أشرك غيره في هذا وهذا لم يحصل له حقيقة الحب والتعظيم، فإن الشرك يوجب نقص المحبة. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [البقرة: 165] أي: أشد حبًا لله من هؤلاء لأندادهم، وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}[الزمر:29]، وكذلك الاستكبار يمنع حقيقة الذل لله، بل يمنع حقيقة المحبة لله، فإن الحب التام يوجب الذل والطاعة، فإن المحب لمن يحب مطيع. ولهذا كان الحب درجات أعلاها: (التتيم)، وهو: التعبد، وتيم الله أي: عبد الله؛ فالقلب المتيم هو المعبد لمحبوبة، وهذا لا يستحقه إلا الله وحده. والإسلام: أن يستسلم العبد لله لا لغيره، كما ينبئ عنه قول: (لا إله إلا الله)، فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، وكلاهما ضد الإسلام. والشرك غالب على النصارى ومن ضاهاهم من الضلال والمنتسبين إلى الأمة. وقد بسطنا الكلام على ما يتعلق بهذا الموضع في مواضع متعددة. وذلك يتعلق بتحقيق الألوهية لله وتوحيده، وامتناع الشرك، وفساد السموات والأرض بتقدير إله غيره، والفرق بين الشرك في الربوبية والشرك في الألوهية، وبيان أن العباد فطروا على الإقرار به ومحبته وتعظيمه، وأن القلوب لا تصلح إلا بأن تعبد الله وحده، ولا كمال لها ولا صلاح ولا لذة ولا سرور ولا فرح ولا سعادة بدون ذلك، وتحقيق الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الموضع الذي في تحقيقه تحقيق مقصود الدعوة النبوية، والرسالة الإلهية، وهو لُبُّ القرآن وزبدته، وبيان التوحيد العلمي القولي، المذكور في قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1- 2]، والتوحيد القصدي العملي المذكور في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]، وما يتصل بذلك ، فإن هذا بيان لأصل الدعوة إلى الله وحقيقتها و مقصودها. لكن المقصود في الجواب ذكر ذلك على طريق الإجمال؛ إذ لا يتسع الجواب لتفضيل ذلك، وكل ما أحبه الله ورسوله من واجب ومستحب، من باطن وظاهر فمن الدعوة إلى الله الأمر به،وكل ما أبغضه الله ورسوله من باطن وظاهر، فمن الدعوة إلى الله النهي عنه لا تتم الدعوة إلى الله إلا بالدعوة إلى أن يفعل ما أحبه الله، ويترك ما أبغضه الله، سواء كان من الأقوال أو الأعمال الباطنة أو الظاهرة، كالتصديق بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته، والمعاد وتفصيل ذلك، وما أخبر به عن سائر المخلوقات: كالعرش، والكرسي، والملائكة، والأنبياء، وأممهم، وأعدائهم؛ وكإخلاص الدين لله، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وكالتوكل عليه، والرجاء لرحمته، وخشية عذابه، والصبر لحكمه، وأمثال ذلك، وكصدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وكالجهاد في سبيله بالقلب واليد واللسان. إذا تبين ذلك، فالدعوة إلى الله واجبة على من اتبعه، وهم أمته يدعون إلى الله، كما دعا إلى الله. وكذلك يتضمن أمرهم بما أمر به، ونهيهم عما ينهي عنه، وإخبارهم بما أخبر به؛ إذ الدعوة تتضمن الأمر، وذلك يتناول الأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر. وقد وصف أمته بذلك في غير موضع، كما وصفه بذلك فقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر}ِِ[آل عمران:110]، وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} الآية [التوبة:71]، وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة، وهو الذي يسميه العلماء: فرض كفاية إذا قام به طائفة منهم سقط عن الباقين؛ فالأمة كلها مخاطبة بفعل ذلك، ولكن إذا قامت به طائفة سقط عن الباقين. قال تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. فمجموع أمته تقوم مقامه في الدعوة إلى الله؛ ولهذا كان إجماعهم حجة قاطعة، فأمته لا تجتمع على ضلالة، وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى رسوله، وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره، فما قام به غيره سقط عنه، وما عجز لم يطالب به. وأما ما لم يقم به غيره وهو قادر عليه فعليه أن يقوم به؛ ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على هذا، وقد تقسطت الدعوة على الأمة بحسب ذلك تارة، وبحسب غيره أخري؛ فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب، وهذا إلى عمل ظاهر واجب، وهذا إلى عمل باطن واجب؛ فتنوع الدعوة يكون في الوجوب تارة، وفي الوقوع أخري. وقد تبين بهذا أن الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم، لكنها فرض على الكفاية، وإنما يجب على الرجل المعين من ذلك ما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره، وهذا شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ ما جاء به الرسول، والجهاد في سبيل الله، وتعليم الإيمان والقرآن. وقد تبين بذلك أن الدعوة نفسها أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، فإن الداعي طالب مستدع مقتض لما دعي إليه، وذلك هو الأمر به؛ إذ الأمر هو طلب الفعل المأمور به، واستدعاء له ودعاء إليه، فالدعاء إلى الله الدعاء إلى سبيله، فهو أمر بسبيله، وسبيله تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر. وقد تبين أنهما واجبان على كل فرد من أفراد المسلمين، وجوب فرض الكفاية، لا وجوب فرض الأعيان، كالصلوات الخمس، بل كوجوب الجهاد. والقيام بالواجبات، من الدعوة الواجبة وغيرها يحتاج إلى شروط يقام بها،كما جاء في الحديث: ينبغي لمن أمر بالمعروف،ونهي عن المنكر،أن يكون فقيهًا فيما يأمر به، فقيهًا فيما ينهي عنه،رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهي عنه،حليمًا فيما يأمر به،حليما فيما ينهي عنه، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف و ينكر المنكر، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذي المأمور المنهي، فإنه كثيرًا ما يحصل له الأذى بذلك. ولهذا قال تعالى:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17]، وقد أمر نبينا بالصبر في مواضع كثيرة، كما قال تعالى في أول المـدثر: {قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 2 - 7]، وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]، وقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34]، وقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:48]. وقد جمع سبحانه بين التقوى والصبر في مثل قوله:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:186] ، والمؤمنون كانوا يدعون إلى الإيمان بالله وما أمر به من المعروف ، وينهون عما نهي الله عنه من المنكر ، فيؤذيهم المشركون وأهل الكتاب ، وقد أخبرهم بذلـك قبل وقوعه ، وقال لهم: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وقد قال يوسف عليه السلام : {أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]. فالتقوى تتضمن طاعة الله، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر يتناول الصبر على المصائب التي منها أذى المأمور المنهي للآمر الناهي. لكن للآمر الناهي أن يدفع عن نفسه ما يضره، كما يدفع الإنسان عن نفسه الصائل، فإذا أراد المأمور المنهي ضربه، أو أخذ ماله ونحو ذلك وهو قادر على دفعه فله دفعه عنه؛ بخلاف ما إذا وقع الأذى وتاب منه؛ فإن هذا مقام الصبر والحلم، والكمال في هذا الباب حال نبينا صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين عن عائشة أنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له، ولا امرأة، ولا دابة، ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله، فقد تضمن خلقه العظيم أنه لا ينتقم لنفسه إذا نيل منه، وإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله، ومعلوم أن أذي الرسول من أعظم المحرمات، فإن من آذاه فقد آذى الله، وقتل سَابِّه واجب باتفاق الأمة، سواء قيل: إنه قتل لكونه ردة، أو لكونه ردة مغلظة أوجبت أن صار قتل الساب حدًا من الحدود. والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في احتماله وعفـوه عمن كان يؤذيه كثير، كما قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109]، فالآمر الناهي إذا أوذي وكان أذاه تعديا لحدود الله وفيه حق لله، يجب على كل أحد النهي عنه، وصاحبه مستحق للعقوبة، لكن لما دخل فيه حق الآدمي كان له العفو عنه، كما له أن يعفو عن القاذف والقاتل وغير ذلك، وعفوه عنه لا يسقط عن ذلك العقوبة التي وجبت عليه لحق الله، لكن يكمل لهذا الآمر الناهي مقام الصبر والعفو الذي شرع الله لمثله، حتى يدخل في قوله تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور}ِِ [آل عمران:186]، وفي قوله: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}. ثم هنا فرق لطيف، أما الصبر فإنه مأمور به مطلقًا، فلا ينسخ، وأما العفو والصفح فإنه جعل إلى غاية، وهو: أن يأتي الله بأمره، فلما أتي بأمره بتمكين الرسول ونصره صار قادرًا على الجهاد لأولئك، وإلزامهم بالمعروف، ومنعهم عن المنكر صار يجب عليه العمل باليد في ذلك ما كان عاجزًا عنه، وهو مأمور بالصبر في ذلك،كما كان مأمورًا بالصبر أولا. والجهاد مقصودة أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله؛ فمقصودة إقامة دين الله لا استيفاء الرجل حظه؛ ولهذا كان ما يصاب به المجاهد في نفسه وماله أجره فيه على الله؛ فإن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، بأن لهم الجنة، حتى إن الكفار إذا أسلموا أو عاهدوا لم يضمنوا ما أتلفوه للمسلمين من الدماء والأموال، بل لو أسلموا وبأيديهم ما غنموه من أموال المسلمين، كان ملكا لهم عند جمهور العلماء: كمالك وأبي حنيفة وأحمد، وهو الذي مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين. فالآمر الناهي إذا نيل منه وأوذي، ثم إن ذلك المأمور المنهي تاب وقَبِلَ الحق منه: فلا ينبغي له أن يقتص منه، ويعاقبه على أذاه،فإنه قد سقط عنه بالتوبة حق الله كما يسقط عن الكافر إذا أسلم حقوق الله تعالى كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "الإسلام يهدم ما كان قبله،والتوبة تهدم ما كان قبلها" ، والكافر إذا أسلم هدم الإسلام ما كان قبله،دخل في ذلك ما اعتدي به على المسلمين في نفوسهم وأموالهم؛لأنه ما كان يعتقد ذلك حراما، بل كان يستحله، فلما تاب من ذلك غفر له هذا الاستحلال،وغفرت له توابعه. فالمأمور المنهي إن كان مستحلاً لأذي الآمر الناهي كأهل البدع والأهواء، الذين يعتقدون أنهم على حق، وأن الآمر الناهي لهم معتد عليهم، فإذا تابوا لم يعاقبوا بما اعتدوا به على الآمر الناهي من أهل السنة، كالرافضي الذي يعتقد كفر الصحابة أو فسقهم وسبهم على ذلك، فإن تاب من هذا الاعتقاد، وصار يحبهم ويتولاهم لم يبق لهم عليه حق، بل دخل حقهم في حق الله ثبوتًا وسقوطًا؛ لأنه تابع لاعتقاده. ولهذا كان جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد في أصح الروايتين، والشافعي في أحد القولين على أن أهل البغي المتأولين لا يضمنون ما أتلفوه على أهل العدل بالتأويل، كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه على أهل البغي بالتأويل باتفاق العلماء. وكذلك أصح قولي العلماء في المرتدين، فإن المرتد والباغي المتأول والمبتدع كل هؤلاء يعتقد أحدهم أنه على حق، فيفعل ما يفعله متأولا، فإذا تاب من ذلك كان كتوبة الكافر من كفره؛ فيغفر له ما سلف مما فعله متأولا، وهذا بخلاف من يعتقد أن ما يفعله بغي وعدوان كالمسلم إذا ظلم المسلم، والذمي إذا ظلم المسلم، والمرتد الذي أتلف مال غيره، وليس بمحارب بل هو في الظاهر مسلم أو معاهد، فإن هؤلاء يضمنون ما أتلفوه بالاتفاق. فالمأمور المنهي إن كان يعتقد أن أذي الآمر الناهي جائز له، فهو من المتأولين وحق الآمر الناهي داخل في حق الله تعالى فإذا تاب سقط الحقان، وإن لم يتب كان مطلوبا بحق الله المتضمن حق الآدمي، فإما أن يكون كافرًا، وإما أن يكون فاسقًا، وإما أن يكون عاصيا، فهؤلاء كل يستحق العقوبة الشرعية بحسبه، وإن كان مجتهدًا مخطئًا فهذا قد عفي الله عنه خطأه، فإذا كان قد حصل بسبب اجتهاده الخطأ أذي للآمر الناهي بغير حق فهو كالحاكم إذا اجتهد فأخطأ، وكان في ذلك ما هو أذي للمسلم، أو كالشاهد، أو كالمفتي. فإذا كان الخطأ لم يتبين لذلك المجتهد المخطئ، كان هذا مما ابتلي الله به هذا الآمر الناهي. قال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:20]، فهذا مما يرتفع عنه الإثم في نفس الأمر، وكذلك الجزاء على وجه العقوبة، ولكن قد يقال: قد يسقط الجزاء على وجه القصاص الذي يجب في العمد، ويثبت الضمان الذي يجب في الخطأ، كما تجب الدية في الخطأ، وكما يجب ضمان الأموال التي يتلفها الصبي والمجنون في ماله، وإن وجبت الدية على عاقلة القاتل خطأ، معاونة له فلابد من استيفاء حق المظلوم خطأ، فكذلك هذا الذي ظلم خطأ، لكن يقال: يفرق بين ما كان الحق فيه لله، وحق الآدمي تبع له، وما كان حقًا لآدمي محضًا أو غالبًا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد من هذا الباب موافق لقول الجمهور الذين لا يوجبون على أهل البغي ضمان ما أتلفوه لأهل العدل بالتأويل، وإن كان ذلك خطأ منهم ليس كفرًا ولا فِسْقًا. وإذا قدر عليهم أهل العدل لم يتبعوا مدبرهم، ولم يجهزوا على جريحهم، ولم يسبوا حريمهم، ولم يغنموا أموالهم، فلا يقاتلونهم على ما أتلفوه من النفوس والأموال إذا أتلفوا مثل ذلك، أو تملكوا عليهم. فتبين أن القصاص ساقط في هذا الموضع؛ لأن هذا من باب الجهاد الذي يجب فيه الأجر على الله، وهذا مما يتعلق بحق العبد الآمر الناهي. وأما قول السائل: هل يقتص منه لئلا يؤدي إلى طمع منه في جانب الحق؟ فيقال: متي كان فيما فعله إفساد لجانب الحق كان الحق في ذلك لله ورسوله، فيفعل فيه ما يفعل في نظيره، وإن لم يكن فيه أذي للآمر الناهي. والمصلحة في ذلك تتنوع؛ فتارة تكون المصلحة الشرعية القتال، وتارة تكون المصلحة المهادنة، وتارة تكون المصلحة الإمساك والاستعداد بلا مهادنة، وهذا يشبه ذلك، لكن الإنسان تزين له نفسه أن عفوه عن ظالمه يجريه عليه، وليس كذلك، بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال "ثلاث إن كنت حالفاً عليهن: ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما نقصت صدقة من مال، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله". فالذي ينبغي في هذا الباب أن يعفو الإنسان عن حقه، ويستوفي حقوق الله بحسب الإمكان. قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشوري:39]، قال إبراهيم النَّخْعِي [هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة النخعي اليماني ثم الكوفي، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد، كان كبير الشأن، كثير المحاسن، توفي وله تسع وأربعون سنة، مات سنة 96هـ] : كانوا يكرهون أن يستذلوا، فإذا قدروا عفوا. قال تعالى: {هُمْ يَنتَصِرُونَ} يمدحهم، بأن فيهم همة الانتصار للحق والحمية له؛ ليسوا بمنزلة الذين يعفون عجزًا وذلا بل هذا مما يذم به الرجل، والممدوح العفو مع القدرة، والقيام لما يجب من نصر الحق، لا مع إهمال حق الله وحق العباد. المرجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف | ||||||||||||||||||||||||||||||
الجمعة 17 فبراير 2012, 1:44 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني موضووووووووووووع جد رائع يشمل لجميع القيم المفيدة احسن الله اليك اخي * هدي السلف ** جعل المولى عز وجل خالص اعمالك في موازين حسناتكم يارب الله يكرمك اخي يارب الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: ابنة الاسلام | ||||||||||||||||||||||||||||||
السبت 18 فبراير 2012, 12:35 pm | المشاركة رقم: | ||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني الموضوع الأصلي : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني // المصدر : عباد الرحمن بأخلآق القرآن // الكاتب: هدي السلف | ||||||||||||||||||||||||||||||
الإشارات المرجعية |
الــرد الســـريـع | |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 3 والزوار 17) | |
| |
|
|